للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والشجرُ بالورق إذا اشتمل به (١).

قال العلامة التويجري - رحمه الله -: «وهذا الحديث يدل على أن نساء الصحابة كن يغطين وجوههن، ويستترن عن نظر الرجال الأجانب، حتى إنهن من شدة مبالغتهن في التستر وتغطية الوجوه لا يَعْرِفُ بعضهُن بعضَاً، ولو كُنَ يكشفن وجوههن لعرف بعضهُن بعضاً كما كان الرجال يعرفُ بَعضهم بعضَاً، قال أبو بَرْزَة - رضي الله عنه -: «وكان - يعني النبي - صلى الله عليه وسلم - ينفتل من صلاة الغداة حين يعرفُ الرجل جليسه» (٢).

قال الداودي في قوله: «ما يعرفن من الغَلَس» معناه: لا يعرفْن أنساء أم رجال؟ أي لا يظهر للرائي إلا الأشباح خاصَّة.

قيل: لا يُعْرَفُ أعيانهن، فلا يُفَرَّقُ بين خديجة وزينب - قال النووي: «وهذا ضعيف؛ لأن المتلفعة في النهار لا يُعْرف عينُها فلا يبقى في الكلام فائدة» (٣).

وقول النووي هذا مع ما تقدم عن أئمة اللغة في تفسير التلفع يؤيد ما ذكرتُه من مبالغة نساء الصحابة - رضي الله عنهم - في التستر وتغطية وجوههن عن الرجال الأجانب، ويؤيد هذا ما تقدم (٤) عن عائشة


(١) الصحاح، مادة (لفع).
(٢) رواه البخاري، في مواقيت الصلاة: باب وقت العصر، وباب القراءة في الفجر، برقم ٥٧٨ ومسلم، في المساجد: باب استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها، برقم ٦٤٧.
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم، ٢/ ٤٣٨.
(٤) قال العيني: بعد حكاية كلام النووي: «ورُدَّ بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان، فلو كان المراد غيرها لنفى الرؤية بالعلم، وقال بعضهم: «وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر، لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب، ولو كان بدنها مغطى» انتهى، قلت: هذا غير موجه؛ لأن الرائي من أين يعرف هيئة كل امرأة حين كن مغطيات، والرجل لا يعرف هيئة امرأته إذا كانت بين المغطيات إلا بدليل من الخارج، وقال الباجي: «وهذا يدل على أنهن كن سافرات إذ لو كن منقبات لمنع تغطية الوجه من معرفتهن لا الغلس»، قوله: «من الغلس» كلمة: «من» ابتدائية، ويجوز أن تكون تعليلية، والغَلس بفتحتين: آخر الليل، ولا مخالفة بين هذا الحديث وبين حديث أبي برزة الذي مضى من أنه كان ينصرف حين يعرف الرجل جليسه؛ لأنه إخبار عن رؤية جليسه، وهذا إخبار عن رؤية النساء من البعد». عمدة القاري شرح صحيح البخاري، ٦/ ٧٤ - ٧٥.

<<  <   >  >>