للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنافسوها، وتُهلككم كما أهلكتهم)) [وفي لفظ: ((وتُلهيكم كما ألهتهم))] (١)، قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في فوائد هذا الحديث: ((وفيه أن المنافسة في الدنيا قد تجر إلى هلاك الدين)) (٢)، ((لأن المال مرغوب فيه فترتاح النفس لطلبه، فتمنع منه، فتقع العداوة المقتضية للمقاتلة، المفضية إلى الهلاك)) (٣)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((وتُلهيكم كما ألهتهم))، دليل على أن الانشغال بالدنيا فتنة، قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: ((تُلهيكم)) أي تشغلكم عن أمور دينكم وعن الاستعداد

لآخرتكم (٤)، كما قال الله - عز وجل -: {أَلْهَاكُمُ التَّكّاثُرُ*حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} (٥).

وهذا يؤكد للمسلم أن التنافس في الدنيا والانشغال بها شر وخطر؛ ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أكثر ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من بركات الأرض) قيل: وما بركات الأرض؟ قال: ((زهرة الدنيا) ثم قال: ((إن هذا المال خَضِرة حلوة ... من أخذه بحقه ووضعه في حقه فنعم المعونة هو، ومن أخذه بغير حقه كان كالذي يأكل ولا يشبع [ويكون عليه شهيداً يوم القيامة])) (٦).

وعن قيس بن حازم قال: دخلنا على خباب - رضي الله عنه - نعوده، فقال: ((إن أصحابنا الذين سلفوا مضوا ولم تنقصهم الدنيا، وإنا أصبنا ما لا نجد له موضعاً إلا التراب، ولولا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن ندعو بالموت لدعوتُ به) ثم أتيناه مرة أخرى وهو يبني حائطاً له فقال: ((إن المسلم يؤجر في كل


(١) متفق عليه: البخاري، برقم ٦٤٢٧، ومسلم، برقم ١٠٥٢، ويأتي تخريجه في فضائل الصبر والاحتساب على المصائب في الأمر الثامن عشر: العلم بأن الدنيا فانية وزائلة.
(٢) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ٦/ ٣٦٣.
(٣) المرجع السابق، ١١/ ٢٤٥.
(٤) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، ٧/ ١٣٣.
(٥) سورة التكاثر، الآيتان: ١، ٢.
(٦) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -: البخاري، كتاب الرقاق، باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، ٧/ ٢٢٢، برقم ٦٤٢٧، ومسلم، كتاب الزكاة، باب تخوف ما يخرج من زهرة الدنيا، ٢/ ٧٢٧، برقم ١٠٥٢، وما بين المعقوفين من رواية مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>