للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ما منكم من أحد، ما من نفس منفوسةٍ إلا كُتِبَ

مكانها من الجنة والنار، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة)) فقال رجل: يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منَّا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأما من كان منَّا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: ((أما أهل السعادة فيُيَسَّرون لعمل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسَّرون لعمل الشقاوة، ثم قرأ {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى} (١). قال ابن رجب - رحمه الله -: ((ففي هذا الحديث أن السعادة والشقاوة قد سبق الكتاب بهما، وأن ذلك مقدّر بحسب الأعمال، وأن كلاًّ ميسر لما خُلِقَ له من الأعمال التي هي سبب السعادة أو الشقاوة)) (٢).

ولاشك أن الله - عز وجل - إنما يهدي من كان أهلاً للهداية، ويضل من كان أهلاً للضلالة، قال - عز وجل -: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ وَالله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (٣).

وقال - سبحانه وتعالى -: {فَبِمَا نَقْضِهِم مّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظًّا مّمَّا ذُكّرُواْ بِهِ} (٤).

فبين سبحانه أن أسباب الضلالة لمن ضل إنما هي بسبب من العبد نفسه، والله - عز وجل - لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، قال - سبحانه وتعالى -: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ


(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدث عند القبر، وقعود أصحابه حوله،
٢/ ١٢١، برقم ١٣٦٢، ومسلم، كتاب القدر، باب كيفية خلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه وعمله وشقاوته وسعادته، ٤/ ٢٠٣٩ برقم ٦٢٤٧. والآيات من سورة الليل: ٥ - ١٠.
(٢) جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثاً من جوامع الكلم، ١/ ١٦٩.
(٣) سورة الصف، الآية: ٥.
(٤) سورة المائدة، الآية: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>