للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصاب العبد مصيبة فأنزلها بالله وطلب كشفها منه فلا ينافي الصبر (١).

الأمر الثاني: الحزن ودمع العين؛ فإن ذلك قد حصل لأكمل الخلق نبينا محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لحديث أنس - رضي الله عنه - قال: دخلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي سيف القين (٢) - وكان ظئراً (٣) لإبراهيم - عليه السلام - - فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إبراهيم فقبَّله وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه (٤)، فجعلت عينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تذرفان (٥)، فقال له عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -: وأنت يا رسول الله (٦)؟ فقال: ((يا ابن عوف إنها رحمة)) ثم أتبعها

بأخرى (٧)، فقال: ((إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يَرْضَى ربُّنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)) (٨).قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((ووقع في حديث عبد الرحمن بن عوف نفسه: ((فقلت: يا رسول الله تبكي أو لم تنه عن البكاء؟ وزاد فيه: ((إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند نغمة لهوٍ ولعبٍ ومزامير الشيطان، وصوت عند مصيبة: خمش وجوه، وشق جيوب، ورنة شيطان)).قال: ((إنما هذه رحمة،


(١) انظر: الصبر الجميل، لسليم الهلالي، ص٨٤
(٢) القين: الحداد، ويطلق على كل صانع، يقال: قان الشيء: إذا أصلحه. فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٣.
(٣) ظئراً: مرضعاً، وأطلق عليه ذلك لأنه كان زوج المرضعة، وأصل الظئر: من ظارت الناقة إذا عطفت على غير ولدها، فقيل ذلك للتي ترضع غير ولدها، وأطلق ذلك على زوجها؛ لأنه يشاركها في تربيته غالباً. وإبراهيم: ابن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٣.
(٤) يجود بنفسه: أي يخرجها ويدفعها كما يدفع الإنسان ماله. فتح الباري لابن حجر،٣/ ١٧٣.
(٥) تذرفان: يجري دمعها. فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٤.
(٦) وأنت يا رسول الله: أي الناس لا يصبرون على المصيبة وأنت تفعل كفعلهم، كأنه تعجب لذلك منه مع عهده منه أنه يحثه على الصبر وينهى عن الجزع، فأجابه بقوله: ((إنها رحمة: أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد لا ما توهمت من الجزع)) فتح الباري لابن حجر، ٣/ ١٧٤.
(٧) ثم أتبعها بأخرى: قيل: أتبع الدمعة بدمعة أخرى، وقيل: أتبع الكلمة الأولى المجملة وهي قوله: ((إنها رحمة)) بكلمة أخرى مفصلة وهي قوله: ((إن العين تدمع)) فتح الباري لابن حجر،٣/ ١٧٤.
(٨) متفق عليه: البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنا بك لمحزونون))، برقم ١٣٠٣، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - بالصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، برقم ٢٣١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>