للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخشوع في ذلك أن لا يقولها غافلاً عن معناها (١).

الدرجة الثانية: أن يقرأها وهو يعقلها، ومتأثراً بمعانيها حال قراءتها، وهذه الدرجة تزيد عمّا قبلها بوجود التأثّر من تلك المعاني، حتى يُعرف خشوعه من صوته، ويتأثَّر به من سَمِعَه، ويحسب أنه يخشى الله فيها، فيرغب في آيات الوعد، ويرهب من آيات الوعيد.

الدرجة الثالثة: أن يقرأها مُتأثّراً غاية التأثر بحقائقها تلك، وهذه الدرجة تزيد عمّا قبلها ببلوغ التأثُّر غايته، وشهود حقائق المعاني بالقلب، حتى كأنَّها رأي عين؛ وفي حديث حنظلة - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وما ذاك؟)) قال: قلت: يا رسول الله، نكون عندك تذكّرنا بالجنة والنار حتى كأنَّا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج، والأولاد، والضّيعات - نسينا كثيراً- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة)) ثلاث مرار، وفي لفظ:

((يا حنظلة ساعة وساعة، لو كانت تكونُ قلوبكم كما تكون عند الذكر لصافحتكم الملائكة حتى تسلّم عليكم في الطرق)) (٢).

ويشعر صاحب هذه الدرجة من الخشوع بتقصير، وتفريط، فيسأل الله تعالى من فضله راغباً، ويستعيذ من عذابه راهباً، يدفعه إلى ذلك تأثّره؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل: ((إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذ تعوَّذ ... )) (٣).


(١) انظر: كيف تخشع في الصلاة، لمجدي أبو عريش، ص ٢١.
(٢) مسلم، كتاب التوبة، باب فضل دوام الذكر والفكر في أمور الآخرة، برقم ٢٧٥٠.
(٣) مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل، برقم ٧٧٣، من حديث حذيفة - رضي الله عنه -.

<<  <  ج: ص:  >  >>