للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) (١). وجاء في بعض الروايات: ((فاقضوا)) (٢) والقضاء يطلق على أداء الشيء فهو بمعنى أتموا، فلا مغايرة بين اللفظين (٣)، ولا حجة لمن تمسك برواية ((فاقضوا)) على أن ما أدركه مع الإمام هو آخر صلاته، وإنما الصواب أن ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته (٤).

وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله- يقول: ((وما فاتكم فأتموا)) هذا أكثر الروايات، وفي بعض الروايات: ((فاقضوا)) بمعنى أتموا سواء بسواء، فالروايتان مجتمعتان بمعنى الإتمام والإكمال، فما أدرك فهو أول صلاته، وما قضى فهو آخرها (٥).

والمسبوق يدخل مع الإمام في أي جزء أدركه فيه؛ لحديث علي بن أبي طالب ومعاذ رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) (٦).قال الترمذي - رحمه الله-:


(١) متفق عليه: البخاري، برقم ٦٣٦، ومسلم، برقم ٩٠٨، وتقدم تخريجه في آداب المشي إلى الصلاة.
(٢) أحمد، ٢/ ٢٧٠، وأبو داود، برقم ٥٧٣، والنسائي، ٢/ ١١٤.
(٣) انظر: نيل الأوطار للشوكاني،٢/ ٢٥٧، ٣٨٣،وسبل السلام للصنعاني، ٢/ ١١٥.
(٤) قال الإمام النووي: ((واختلف العلماء في المسألة، فقال الشافعي وجمهور العلماء من السلف والخلف: ما أدركه المسبوق مع الإمام أول صلاته، وما يأتي به بعد سلامه آخرها، وعكسه أبو حنيفة وطائفة، وعن مالك وأصحابه روايتان كالمذهبين، وحجة هؤلاء: ((واقضِ ما سبقك))، وحجة الجمهور أن أكثر الروايات ((وما فاتكم فأتموا)) وأجابوا عن رواية ((واقضِ ما سبقك)) أن المراد بالقضاء الفعل لا القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء، وقد كثر استعمال القضاء بمعنى الفعل)) شرح النووي على صحيح مسلم، ٥/ ١٠٤.
(٥) سمعته من سماحته أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٤٤٥.
(٦) الترمذي، كتاب الصلاة، باب ما ذكر في الرجل يدرك الإمام وهو ساجد كيف يصنع، برقم ٥٩١، قال العلامة أحمد محمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي: قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير، ٢/ ٤٢، فيه ضعف وانقطاع، ويريد بالضعف الإشارة إلى تضعيف حجاج بن أرطأة وهو عندنا ثقة إلا أنه يدلس ولم يصرح بالسماع هنا، ويشير بالانقطاع إلى أن ابن أبي ليلى لم يسمع من معاذ، ولكن له شاهد من حديثه أيضاً عند أبي داود، برقم ٥٠٦، يقول فيه ابن أبي ليلى: حدثنا أصحابنا ثم ذكر الحديث وفيه فقال معاذ: ((لا أراه على حال إلا كنت عليها)) قال: فقال إن معاذاً قد سن لكم سنة كذلك فافعلوا)). وهذا متصل؛ لأن المراد بأصحابه الصحابة كما صرح بذلك في رواية ابن أبي شيبة: ((حدثنا أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -)) [حاشية أحمد شاكر على سنن الترمذي، ٢/ ٤٨٦]، وذكر له العلامة الألباني شاهداً عن عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - أخرجه المروزي في مسائل أحمد وإسحاق، قال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، ٣/ ١٨٥: ((وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين)). والحديث صحيح المعنى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا)).

<<  <  ج: ص:  >  >>