للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رأوك كانوا أشدّ لك عبادة، وأشد لك تمجيداً، وأكثر لك تسبيحاً،

قال: يقول: فما يسألوني؟ قال: يسألونك الجنة، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال: يقولون: لا، والله يا رب ما رأوها، قال: فيقول: فكيف لو أنهم رأوها؟ قال: يقولون: لو أنهم رأوها كانوا أشد عليها حرصاً وأشد لها طلباً، وأعظم فيها رغبة، قال: فممَ يتعوذون؟ قال: يقولون: من النار، قال: يقول: وهل رأوها؟ قال يقولون: لا، والله يا رب ما رأوها، قال: يقول: فكيف لو رأوها؟ قال: يقولون: لو رأوها كانوا أشدّ منها فراراً، وأشد لها مخافة، قال: فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، قال: يقول ملك من الملائكة: فيهم فلان ليس منهم إنما جاء لحاجة، قال: هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم)) (١). وفي لفظ مسلم: ((إن لله تبارك وتعالى ملائكة سيارة فُضُلاً (٢) يبتغون مجالس الذكر، فإذا وجدوا مجلساً فيه ذكر قعدوا معهم، وحفَّ بعضهم بعضاً بأجنحتهم حتى يملؤوا ما بينهم وبين السماء الدنيا، فإذا تفرَّقوا عرجوا وصعدوا إلى السماء، قال: فيسألهم الله - عز وجل - وهو أعلم بهم، من أين جئتم؟ فيقولون: جئنا من عند عبادٍ لكفي الأرض: يسبحونك، ويكبرونك، ويهللونك، ويحمدونك، ويسألونك ... )) الحديث. وفيه: ((قد غفرت لهم، وأعطيتهم ما سألوا، وأجرتهم مما استجاروا، قال: يقولون: رب فيهم فلان عبدٌ خطّاء إنما مرّ فجلس معهم، قال: فيقول: وله غفرت، هم القوم لا يشقى بهم جليسُهم)) (٣).

وسمعت الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يقول: ((وهذا


(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الدعوات، باب فضل ذكر الله عز وجل، برقم ٦٤٠٨، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء، باب فضل مجالس الذكر، برقم ٢٦٨٩.
(٢) سيارة: معناه: سياحون في الأرض، وأما معنى ((فضلاً)) على جميع الروايات: أنهم ملائكة زائدون على الحفظة وغيرهم من المرتبين مع الخلائق، فهؤلاء السيارة لا وظيفة لهم، وإنما مقصودهم حلق الذكر. شرح النووي على صحيح مسلم، ١٧/ ١٨، وانظر: فتح الباري لابن حجر، ١١/ ٢٠٩.
(٣) مسلم، برقم ٢٦٨٩، وتقدم تخريجه في الهامش الذي قبل السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>