للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ - الاستيطان ببناء معتاد، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((كل قوم كانوا مستوطنين ببناء متقارب، لا يظعنون عنه شتاءً ولا صيفاً، تقام فيه الجمعة إذا كان مبنياً بما جرت به عادتهم: من مدر (١) وخشب، أو قصب، أو جريد، أو سعف، أو غير ذلك؛ فإن أجزأ البناء ومادته لا تأثير لها في ذلك، إنما الأصل أن يكونوا مستوطنين، ليسوا كأهل الخيام، والحلل الذين يتتبعون في الغالب مواقع القطر، ويتنقلون في البقاع، وينقلون بيوتهم معهم، إذا انتقلوا، وهذا مذهب جمهور العلماء ... وقال الإمام أحمد: ليس على البادية جمعة؛ لأنهم ينتقلون، فعلَّل سقوطها بالانتقال، فكل من كان مستوطناً لا ينتقل باختياره فهو من أهل القرى)) (٢).

والمسافر لا جمعة عليه؛ لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يسافر أسفاراً كثيرة: قد اعتمر ثلاث عمر سوى عمرة حجته، وحج حجة الوداع، ومعه ألوف مؤلفة، وغزا أكثر من عشرين غزوة ولم ينقل عنه أحد قط أنه صلى في السفر لا جمعة ولا عيداً، بل كان يصلي ركعتين ركعتين في جميع أسفاره، ويوم الجمعة يصلي ركعتين كسائر الأيام، وكان يوم عرفة في حجة الوداع يوم الجمعة، وصلى ظهراً، ففي صحيح مسلم من حديث جابر - رضي الله عنه -: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمّا وصل بطن الوادي يوم عرفة نزل فخطب الناس، ثم بعد الخطبة أذَّن بلال، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر)) (٣).

وهذا نص واضح صريح صحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يصلّ الجمعة، وإنما صلى


(١) مدر: الطين اليابس. القاموس المحيط، فصل الميم، باب الراء، ص٦٠٩.
(٢) فتاوى ابن تيمية ٢٤/ ١٦٦، ١٦٩، وقال ابن تيمية رحمه الله: ((وتجب الجمعة على من أقام في غير بناء: كالخيام وبيوت الشعر ونحوها، وهو أحد قولي الشافعي، وحكاه الأزجي رواية عن أحمد ... )) وقال أبو العباس ابن تيمية في موضع آخر: ((يشترط مع إقامتهم في الخيام ونحوها أن يكونوا يزرعون كما يزرع أهل القرية)) الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص١١٩،وانظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٢٠٣.
(٣) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم ١٢١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>