للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن فزع إلى تلك الأسباب أو بعضها اندفع عنه الشر الذي جعل الله الكسوف سببًا له أو بعضه؛ ولهذا قلّ ما تسلم أطراف الأرض حيث يخفى الإيمان وما جاءت به الرسل من شر عظيم يحصل بسبب الكسوف، وتسلم منه الأماكن التي يظهر فيها نور النبوة والقيام بما جاءت به الرسل، أو يقل فيها جدًا، ولمَّا كسفت الشمس على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فزعًا مسرعًا يجرُّ رداءه، ونادى في الناس: الصلاة جامعة، وخطبهم بتلك الخطبة البليغة، وأخبر أنه لم يرَ كيومه ذلك في الخير والشر، وأمرهم عند حصول مثل تلك الحالة: بالعتاقة، والصدقة، والصلاة، والتوبة، فصلوات الله وسلامه على أعلم الخلق بالله، وبأمره، وشأنه، وتعريفه أمور مخلوقاته، وتدبيره، وأنصحهم للأمة، ومن دعاهم إلى ما فيه سعادتهم: في معاشهم، ومعادهم، ونهاهم عما فيه: هلاكهم: في معاشهم ومعادهم)) (١).

* والعلم بوقت الكسوف لا ينافي الخوف؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ((وأما كون الكسوف أو غيره قد يكون سببًا لحادث في الأرض من عذاب يقتضي موتًا أو غيره: فهذا قد أثبته الحديث نفسه)) (٢). وقال رحمه الله: ((فإذا كان الكسوف له أجل مسمى لم ينافي ذلك أن يكون عند أجله يجعله الله سببًا لِمَا يقتضيه من عذاب وغيره لمن يعذب الله في ذلك الوقت، أو لغيره ممن ينزل الله به ذلك، كما أن تعذيب الله لمن عذبه بالريح الشديدة الباردة: كقوم عاد كانت في الوقت المناسب وهو آخر الشتاء كما ذكر ذلك أهل التفسير، وقصص الأنبياء، وكذلك الأوقات التي يُنزل الله فيها الرحمة: كالعشر الآخرة من رمضان، والأُول من ذي الحجة، وكجوف الليل، وغير ذلك: هي أوقات محدودة لا تتقدم ولا تتأخر، وينزل


(١) مفتاح دار السعادة، ٣/ ٢٢٠.
(٢) مجموع الفتاوى، ٣٥/ ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>