للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن الأثير في حوادث هذه السنة: «وَفِيهَا عَظُمَ أَمْرُ الحَنَابِلَةِ، وَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَصَارُوا يَكْسِبُونَ مِنْ دُورِ القُوَّادِ وَالعَامَّةِ. وَإِنْ وَجَدُوا نَبِيذًا [أَرَاقُوهُ]، وَإِنْ وَجَدُوا مُغَنِّيَةً ضَرَبُوهَا وَكَسَرُوا آلَةَ الغِنَاءِ، وَاعْتَرَضُوا فِي البَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَمَشَى الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، فَإِذَا رَأَوْا ذَلِكَ سَأَلُوهُ عَنِ الذِي مَعَهُ مَنْ هُوَ، فَأَخْبَرَهُمْ، وَإِلاَّ ضَرَبُوهُ وَحَمَلُوهُ إِلَى صَاحِبِ الشُّرْطَةِ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْفَاحِشَةِ.

[فَأَرْهَجُوا] بَغْدَادَ، فَرَكِبَ بَدْرٌ الخَرْشَنِيُّ، وَهُوَ صَاحِبُ الشُّرْطَةِ، عَاشِرَ جُمَادَى الآخِرَةِ، وَنَادَى فِي جَانِبَيْ بَغْدَادَ، فِي أَصْحَابِ أَبِي مُحَمَّدِ [البَرْبَهَارِيِّ] الْحَنَابِلَةِ، أَلاَّ يَجْتَمِعُ مِنْهُمُ اثْنَانِ وَلاَ يَتَنَاظَرُوا فِي مَذْهَبِهِمْ». إلى أن قال:

«فَلَمْ يُفِدْ فِيهِمْ، وَزَادَ شَرُّهُمْ وَفِتْنَتُهُمْ، وَاسْتَظْهَرُوا بِالعُمْيَانِ الذِينَ كَانُوا يَأْوُونَ المَسَاجِدَ، وَكَانُوا إِذَا مَرَّ بِهِمْ شَافِعِيُّ المَذْهَبِ أَغْرَوْا بِهِ العُمْيَانَ، فَيَضْرِبُونَهُ بِعِصِيِّهِمْ، حَتَّى يَكَادَ يَمُوتُ، فَخَرَجَ تَوْقِيعُ الرَّاضِي بِمَا يُقْرَأُ عَلَى الحَنَابِلَةِ يُنْكِرُ عَلَيْهِمْ فِعْلَهُمْ». إلى آخر ما ذكره.

ولا ريب أن إثارة أمثال هذه الفتن لم تكن إلا من عصبية عامتهم وغوغائهم، وكثيرًا ما كانت ترجع إلى أمور اعتقادية يخالفهم غيرهم فيها، لانفراد أصحاب هذا المذهب بعقيدة خاصة في الأصول.

وذكر التاج السبكي في " الطبقات " أن أكثر فضلاء متقدميهم أشاعرة، لم يخرج منهم عن عقيدة الأشعري إلا من لحق بأهل التجسيم. قال: وهم في هذه الفرقة من الحنابلة أكثر من غيرهم.

<<  <   >  >>