للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثالث: أنّهم يجمعون ويقصرون، وهذا مذهب مالك. وإسحاق بن راهويه، وهو قول طاووس وابن عيينة وغيرهما من السلف، وقول طائفة من أصحاب أحمد والشافعي كأبي الخطاب في "العبادات الخمس" وهو الذي رجّحه أبومحمد المقدسي وغيره من أصحاب أحمد، فإن أبا محمد وموافقيه رجّحوا الجمع للمكي بعرفة.

وأما القصر فقال أبومحمد: الحجة مع من أباح القصر لكل مسافر إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه، والمعلوم أن الإجماع لم ينعقد على خلافه. وهو اختيار طائفة من علماء أصحاب أحمد، كان بعضهم يقصر الصلاة في مسيرة بريد وهذا هو الصواب الذي لا يجوز القول بخلافه لمن تبين السنة وتدبّرها، فإن من تأمّل الأحاديث في حجة الوداع وسياقها، علم علمًا يقينًا أن الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أهل مكة وغيرهم صلوا بصلاته قصرًا وجمعًا، ولم يفعلوا خلاف ذلك، ولم ينقل أحد قط عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال بعرفة ولا مزدلفة ولا منًى: ((يا أهل مكّة أتمّوا صلاتكم، فإنّا قوم سفر)). وإنما نقل أنه قال ذلك في نفس مكة كما رواه أهل السنن عنه (١). وقوله في ذلك في داخل مكة دون عرفة ومزدلفة ومنى، دليل على الفرق، وقد روي من جهة أهل العراق عن عمر أنه كان يقول بمنى: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر. وليس له إسناد.

وإذا ثبت ذلك فالجمع بين الصلاتين قد يقال إنه لأجل النسك، كما


(١) تقدم أنه لا يثبت عن النبي لأنه من طريق علي بن زيد بن جدعان. مختلفٌ فيه والراجح ضعفه، وقد ثبت عن عمر رضي الله عنه أنه قال لأهل مكة بمكة كما تقدم.

<<  <   >  >>