للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما ما هيأت الأقدار الشافعيَّ به، فقد وهبه الله حافظةً لاقطة، وذاكرة واعية، وذكاءً نادراً؛ وعقلاً صافياً، وقلباً تقياً نقياً، وجناناً ثابتاً، ولساناً فصيحاً مبيناً، وخُلقاًَ رصياً.

كان الشافعي أحد عباقرة الدنيا، وواحداً من نوادر الموهوبين الذين قلّما ترى الدنيا مثلهم، وحسبك أن تعلم أنه لما أراد أن يقصد مالكاً من مكة أحب أن ينظر في الموطأ قبَل أن يلقى مالكاً، يقول: " استعرت الموطأ، فحفظته في تسع ليالٍ " ولما لقي مالكاً قرأه عليه ظاهراً من حفظه، وكانت سنه يومئذ ثلاث عشرة سنة.

وما أصدق ما قاله له الإمام مالك: "إن الله ألقى على قلبك نوراً، فلا تطفئه بالمعصية".

نعم ألقى الله!! وهَبَ الله!!

وصدق الإمام مالك، فبهذا النور الذي هيأته به الأقدار، وألقته في قلبه أجازه شيخ الحرم مسلم بنُ خالد الزنجي بالإفتاء، وهو ابن خمسَ عشرة سنة!! تأمل!! يُفتي في حرم الله، في البلد الأمين وهو ابن خمس عشرة سنة، ومكة يومئذ مثابة العلماء والفقهاء.

ثم تأمل!! لقد ملأ الشافعي طباق الأرض علماً، وملأ سمع الدنيا، وخلف كل هذا العلم، مع رحيله المبكر: في الرابعة والخمسين من عمره!! وكيف لو عاش إلى الرابعة والثمانين!!

...

هذا هو إمامنا الشافعي رضي الله عنه، لم نقصد أن نترجم له، وإنما أردنا أن نتأمل مواقف وأحداثاً في سيرته، تظهر فيها حكمة الله جل وعلا، وما يختاره ويهيئه سبحانه لمن يرثون نبيه، فيحملون أمانته، ويبلغون رسالته.

[شيوخ الإمام الشافعي]

ذكر أصحاب التراجم شيوخاً مباشرين للإمام الشافعي وعّدوا منهم عشرين شيخاً خمسة منهم في مكة، وستة في المدينة، وأربعة في اليمن، وخمسة في العراق.

<<  <  ج: ص:  >  >>