للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان إمام الحرمين يغشى حلقته، ويحضر مناظراته، فلم يكن يلتفت إليه، ويحلّه بالمحل اللائق به، فمن هنا كانت هذه الجفوة التي سجلها التاريخ، ورأينا آثارها في كتابنا هذا (نهاية المطلب)، حيث لم يصرح إمام الحرمين باسمه مرة واحدة، على طول هذا الكتاب، وإنما يقول عنه حيث يضطر لذكره: " بعض المصنفين " حتى تسمية كتبه لم يصرح بها إمام الحرمين، وإنما يقول: " وفي بعض التصانيف ".

ويعنينا من ذلك أن نثبت أن (مرو) لم تكن أكبر مدن خراسان، على الأقل في ذلك الوقت.

فما السبب الذي من أجله ساغ إطلاق لفظ (المراوزة) على (الخراسانيين)؟

أعتقد أن السبب في ذلك هو ما وقع اتفاقاً من أن شيخ الطريقة وهو القفال كان مروزيّاً، وكان شيخه أبا زيد المروزي، وشيخ شيخه أبو إسحاق المروزي؛ فمن أجل ذلك صح وضع أحد الاسمين مكان الآخر، وأن يقال عن أي خراساني: (مروزي) وإن لم يدخل (مرو).

واعتبر هذا بما لو كان شيخ الطريقة (بلخياً) أو (هروياً).

٣ - والذي ننبه إليه ثالثاً أن بإطلاق لفظ (خراسانيين) في هذا المقام لا يراد به خراسان بحدودها الجغرافية -على سعتها وامتدادها- بل المراد كل الجناح الشرقي لدار الإسلام، فيشمل كلَّ ما وراء النهر إلى حدود الهند والصين.

وقد نبه إلى ذلك ابنُ الملقن، فقال وهو يُعدِّد مواطن الخراسانيين: " وجماعة من أصحابنا من بلاد المشرق كأصبهان، وجُرجان، وسمرقند، ونَسف، وهراة، ومرو، وبخارى، وشيراز، والرَّي، وطوس، وهمدان، ودامغان، وساوة، وتبريز، وبيهق، ومَيْهَنة، وإستراباذ، وغير ذلك من المدن الداخلة في أقاليم ما وراء النهر، وخراسان وأذربيجان، وماريدان، وخُوارِزْم، وغَزْنة، وكرمان، إلى بلاد الهند، وجميع ما رواء النهر إلى أطراف الصين والعراقَيْن -يقصد العراق العربي والعراق العجمي- وغير ذلك " (١) ا. هـ


(١) ر. العقد المُذْهب في طبقات حملة المذهب: ٢١٦ (بتصرف يسير).

<<  <  ج: ص:  >  >>