للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الثالث: مرحلة تحرير المذهب]

يزداد كلامنا عن تحرير المذهب وضوحاً إذا تذكرنا ما قلناه من قبل عن أصحاب الوجوه، وعن المجتهدين من داخل المذهب، وعن رواة المذهب، إذا تذكرنا كل ذلك، عرفنا أن حملة فقه الشافعي من تلاميذه، والأَمَنة على نصوصه ومناهجه، لم يكونوا مجرد نقلة، بل كان فيهم مجتهدون مستقلون وإن انتسبوا إلى الشافعي كالمحمَّدِين الأربعة: محمد بن جرير الطبري، ومحمد بن نصر المروزي، وابن خزيمة محمد بن إسحاق، وابن المنذر محمد بن إبراهيم، وغيرهم.

ومنهم من استقل فعلاً بمذهبٍ وعرف به، كأحمد بن حنبل، وداود الظاهري.

ومنهم من كان يُخرِّج على أصول الشافعي ونصوصه حيناً، وينفرد برأيه ومذهبه حيناً آخر كالمزني، قال إمام الحرمين في (نهاية المطلب): "إن كان لتخريج مخرّج التحاقٌ بالمذهب، فأَوْلاها تخريج المزني؛ لعلو منصبه في الفقه، وتلقِّيه أصول الشافعي من فَلْق فيه، وإذا تفرد برأي، فهو صاحب مذهب".

ومنهم من التزم التخريج على نصوصه وأصوله لم يَخْرج عنها، وهؤلاء هم أصحاب الوجوه الذين ذكرنا طائفة من أشهرهم فيما سلف، وأشرنا إلى "أن الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني ادعى لهم الاجتهاد المستقل، وأنهم صاروا إلى مذهب الشافعي لا تقليداً له، بل لما وجدوا طرقَه في الاجتهاد والقياس أسدَّ الطرق، ولم يكن لهم بدٌّ من الاجتهاد، سلكوا طريقَه، فطلبوا معرفة الأحكام بطريق الشافعي".

وقد ذكر الشيخ أبو علي السِّنجي نحو هذا، فقال: اتبعنا الشافعي دون غيره؛ لأنا وجدنا قوله أرجح الأقوال وأعدلها، لا أنا قلدناه" (١).


(١) المجموع للنووي: ١/ ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>