للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحديث بكائه على ابنه إبراهيم معروف (١) وقد قيل له في ذلك فقال: إنما (٢) نهيتكم عن صوتين أحمقين فاجرين: أحدهما عند الفرح والآخر عند [الحزن] (٣).

١٧٤٦ - ومما يجب التثبت فيه أن النياحة محرّمة، والأخبار في تغليظ الأمر على النائحة مشهورة، والبكاء ليس بمحرم، والقول الضابط في ذلك أن كلّ قول يتضمن إظهار جزع يناقض الانقياد والاستسلام لقضاء الله، فهو محرم، وشق الجيب، وضرب الرأس والخد، أفعالٌ مشعرة بالخروج عن الانقياد لحكم الله.

والذي ظهر في الأخبار ومذاهب الأئمة تحريمُ ذلك، وعندي أن في الاقتصار على الحكم بالكراهية مجال، والتحريم يختص بالقول الذي يخالف الرضا بمجاري القضاء. والعلم عند الله تعالى.

والظاهر ما قاله الأئمة، فالمعتمد فيما يحرم ما ذكرناه، ورفع الأصواتِ على إفراطٍ في معنى شق الجيوب.

١٧٤٧ - ومما اعتنى الشافعي بالكلام عليه، ما روي أنه مات بعض آل عمر (٤) وكان النساء يبكين وابن عباس وابن عمر جالسان على باب حجرة عائشة، فقال ابن عباس لابن عمر: هلا نهيتهن، فقد سمعتُ أباك عمر يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الميت ليعذّب ببكاء أهله عليه، فسمعت عائشة ذلك، فقالت:


(١) حديث بكاء الرسول صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم، أخرجه البخاري، ومسلم، وأبو داود، (ر. البخاري: كتاب الجنائز، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنا بك لمحزونون، ح ١٣٠٣، ومسلم: كتاب الفضائل، ح ٢٣١٥، باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان، وأبو داود: الجنائز، باب في البكاء على الميت، ح ٣١٢٦، والتلخيص: ٢/ ١٣٩ ح ٨٠٢).
(٢) حديث "وإنما نهيتكم عن صوتين أحمقين فاجرين" عند الترمذي: كتاب الجنائز، باب (٢٥) الرخصة في البكاء على الميت، ح ١٠٠٥، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة غير الترمذي ولفظه عند الترمذي: "صوت عند مصيبةٍ، خمشِ وجوه، وشقّ جيوب، ورنّةِ شيطان" قال النووي في الخلاصة: المراد به الغناء والمزامير. (ر. تحفة الأحوذي: ٤/ ٨٥).
(٣) في الأصل، و (ط): الجزع.
(٤) الذي عند الشيخين، أن الميت كان من آل عثمان بن عفان (ر. اللؤلؤ: ١/ ١٨٥).