للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صلى الله عليه وسلم بالذهب الذي في القلادة، فنزع، وقال: الذهب بالذهب وزناً بوزنٍ" (١)؛ فاعتمد الشافعي معنىً ظاهِراً قد تقصّيناه في الأساليب.

ولكن لا بد من ذكرِ ما يجري مجرى التحديد، ونشير إلى أصل التعليل. فنقول: إذا باع مُدَّ عجوة قيمته درهمان [ودرهماً بمدّي عجوة قيمةُ كلِّ مدٍّ درهمان] (٢) فالبيعُ باطلٌ عند الشافعيّ. والذي اعتمدهُ الأصحاب فيه من طريق المعنى التوزيعُ.

فقالوا: الدرهم من هذا الجانب ثلث ما في هذا الجانب، فقابل ثلث ما في الجانب الآخر، وثُلث المُدّين ثلثا مُدٍّ، فيبقى مد وثلث، يقابل مُدّاً. وهذا تفاضل بيّن، ثم أثبتوا التوزيعَ بالقياس على جريانه في الشفعة إذا اشتملت الصفقةُ على شقصٍ وسيف، كما قررته في (الأساليب).

والتعويل على التوزيع في التحريم غيرُ سديدٍ عندي؛ فإن العقد لا يقتضي وضعُه توزيعاً مُفصلاً، بل مقتضاه مقابلةُ الجملة بالجملة، أو مقابلة جزأين شائعين مما في أحد الشقين بجزأين مما في الشق الثاني. والمصير إلى أن الدرهم ثلث ما في هذا الجانب تفصيل، والعقدُ جرى مبهماً، وقد تفصّل التوزيع في الشقصِ والسيف لضرورة الشفعة، كما أنا قد نقسم مِلكاً مشتركاً قسمة إجبارٍ، وإن كانت القسمةُ تُخالفُ شُيوعَ مِلك الشريكين في جميع أجزاء المِلك، فالوجه في التوزيع أن يقال: ثلثُ الدرهم وثلث المُدّ يقابل ثلُثَ المدّين، وهذا لا يفضي إلى ما يزيده، ولا ضرورةَ في تكلف توزيعٍ يؤدي إلى التفاضل.

فالمعتمد عندي في التعليل، أنا قد تُعبّدنا بالمماثلة تحقيقاً، وإذا باع مُدّاً ودرهماً بمُدّينِ، لم تتحقق رعاية التماثل، وهو شرط صحة العقد؛ ففسد العقدُ لعدم تحقق المماثلة، لا لتحقق المفاضلة. ثم لا نحكم بتوزيع التفصيل بوجهٍ، ولا سبيل إلى


(١) حديث فضالة رواه مسلم: البيوع، باب بيع القلادة فيها خرز وذهب، ح ١٥٩١، وأبو داود: البيوع، باب في حلية السيف، ح ٣٣٥١، ٣٣٥٢، والبيهقي: ٥/ ٢٩٢، ٢٩٣. وانظر (التلخيص: ٣/ ١٩ ح ١١٤٢).
(٢) ما بين المعقفين سقط من الأصل.