للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واختار المزني الفساد في الخمسة] (١)، وما ذكرهُ ظاهر متَّجه، فإن التعويل على الحَزْر. والخرصُ في طلبِ المماثلةِ في الربويات خارجٌ عن القياس، والذي نحكم بصِحَّته مستثنى عنه ملحق بالرخص، وقد ورد في بعض الألفاظ تصريح بهذا: رُوي أنه " نهى عن المزابنة وأرخص في العرايا " (٢) الحديث.

٣٠٦٦ - وإذا كان كَذلك فالأصل أن يطّرد التَّحريمُ الثابت على موجَب القياس، والنهي المطلق عن المزابنة، ولا يثبت التصحيح في هذا النوع إلا على ثَبَتٍ، والروايةُ مترددة في الخمسة، وقد رَوينا في صدرِ الباب أن داودَ بنَ الحصين هو الذي تشكك، وإنما ذكرت هذا لأقطع وهمَ من يَعزِي هذا اللفظَ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويعتقد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فيما دونَ خمسةِ أوسق، أو في خمسةِ أوسق" فإن هذا لو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكان تخييراً، فإذا كان التردُّد من الراوي، فالخمسةُ مشكوك فيها، ومعنا الأصلُ الثابتُ في التحريم، فينبغي أن نطردَه.

ومن قالَ بالتصحيح في الخمسةِ، وهو ظاهر النَّصِّ، فتوجيهه عسرٌ جداً، ولستُ أرَى طريقاً في التوجيه إلا أن تُحمَل المزابنَةُ على معامليما صادرة عن التخمين من غير ثَبَتٍ في الخَرْص، ولعلَّ المعاملةَ سُمّيت مزابنة لذلك، لاشتمالِها على المدافعة في غالب الأمر، ولا بُدّ وأن نتخيَّل الخرصَ متأصِّلاً في دَرْك المقادير، حتى ينقدِح لهذا القول وجهٌ.

ومنتهى الإمكانِ فيه أن الخرصَ معتبر في الزكاة، سيّما إذا جعلناه تضميناً، والماهرُ فيه يقلّ خطؤه، والأخرقُ بالكيل يتفاوتُ ما يكيله، والكيل بالإضافةِ إلى الوزن، كالخرص بالإضافة إلى الكيل. وفي كل حالة تقدير معتاد لائق بها، فليقم


(١) ما بين المعقفين سقط من الأصل. وانظر اختيار المزني في المختصر: ٢/ ١٧٨.
(٢) لفظ " أرخص في العرايا " ورد في حديث سهل ابن أبي حثمة، وقد رواه الشافعي في مسنده، ورواه أحمد: ٤/ ٢، وأخرجه البخاري: البيوع، ح ٢١٩١، ومسلم: البيوع، باب تحريم بيع الرطب بالتمر، ح ١٥٤٠، وورد في حديث أبي هريرة السابق أيضاًً، ر. التلخيص: (٣/ ٦٩ ح ١٢١٩).