للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما العدد، فلا ننكر فيه تعبداً وراء حصول الإنقاء، كالعدد المرعيّ في غسل الإناء من ولوغ الكلب.

على أنه لا يمتنع أن يقال: قد يبعُد تقديرُ حصول الإنقاء بحجر واحدٍ، وموقع النجاسة ليس منظوراً إليه، ولا تستمكن اليد من التصّرف التامّ فيه؛ فاقتضى مجموع ذلك استظهاراً باعتبار العدد، ثم إن فرض استيقان الإنقاء على ندور، طُرد التعبّد بالعدد فيه.

فهذا وجه معقولٌ، وأصل هذا التخفيف خارج عن قياس الأصول، وإذا اتجّه وجه في أمر الشارع، تعيّن اتباعُه، وقد قال النبي عليه السلام: "وليستنج بثلاثة أحجارٍ" (١).

وأتاه ابنُ مسعود بحجرين وروثة، فرمى الروثة، وقال: " ابغ لي ثالثاً " (٢).

فأما اعتقاد التخصيص بالحجر، مع فهم كون الإنقاء مقصوداً، فلا وجه له، وإن ورد الأمر مختصاً بالحجر، فهو محمول على الموجود الغالب في حرّة المدينة.

فهذا تمهيد مذهب الشافعي.

ثم الذي راعاه الشافعيُ عددُ المسحات، فلو استنجى الرجل بحجر له ثلاثة أحرفٍ، واستعمل الأحرف، فقد راعى العدَد. ولو استنجى بحجر، ثم غسله واستنجى به بعد الجفاف ثانيةً، ثم بعد ذلك ثالثةً، كفاه.

١٣٣ - وإن أطلتُ الكلامَ فيه، فليُحتمل؛ فإن غرضي الأظهر في وضع هذا الكتاب التنبيهُ على قواعد الأحكام ومثاراتها؛ فإن صُورَ الأحكام، والمسائلَ فيه غيرُ معدومةٍ


(١) حديث " وليستنج بثلاثة أحجار " جزء من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وقد سبق الحديث عنه آنفاً (فقرة ١٢٥). وبلفظٍ مقارب عند مسلم من حديث سلمان: كتاب الطهارة، باب الاستطابة، ح ٢٦٢.
(٢) فأما حديث ابن مسعود: " رمى الروثة، وقال: ابغ لي ثالثاً " فالحنفية لم تصح عندهم الزيادة " ابغني ثالثاً " وقالوا: اكتفى صلى الله عليه وسلم بحجرين، فدلّ أن العدد ليس بشرط.
وهذه الزيادة رواها أحمد بسنادٍ رواته ثقات، قاله الحافظ في التلخيص. (ر. المسند ١/ ٤٥٠، تلخيص الحبير: ١/ ١١٠ ح ١٤٥).