للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: " إنه أسود محتدم بحراني، ذو دفعات له رائحة تعرف " (١) فأما الأسود، فلم يعنِ به أسودَ حالك، وإنما أراد به تعلوه حمرة مجسّدة (٢)، كأنها سواد من تراكم الحمرة. والمحتدم، أراد به اللذّاع؛ فإنه قد يلذع البشرة بحدّته، وهو يختص برائحةٍ كريهةٍ؛ ولذلك أُمرت إذا طهرت أن تتبع بفِرصةٍ من مسكٍ أثرَ الدم. واختلفوا في البحراني، فمعناه الصحيح أنه ناصع اللون، يقال: دم بحراني وباحريّ، إذا كان لا يشوب لونَه لونٌ. ودم الاستحاضة أحمر رقيق، ضارب إلى الشقرة في غالب الأمر.

فإذاً: دم الحيض أقوى لوناً ومتانةً من دم الاستحاضة.

٤٦٩ - فإذا كان يتميز الدم القوي عن الضعيف -وهذه مبتدأة، لم تسبق لها عادةٌ، واستمرارُ أدوارٍ قبل الابتلاء بالاستحاضة- فهي مردودة إلى التمييز، بشرط أنه يجتمع ثلاثة أركان:

أحدها - ألا ينقص الدم القوي عن أقل الحيض، وهو يوم وليلة، على ظاهر المذهب.

والركن الثاني - ألا يزيد الدمُ القوي على أكثر الحيض.

والثالث - ألا ينقص الدم المشرق الضعيف عن أقل الطهر، وهو خمسة عشر يوماً.

فإن استجمعت هذه الأركان تحيضت في أيام الدم القوي. وهي المعنية بقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: " إذا أقبلت الحيضة، فدعي الصلاة " ثم إذا أدبر الدم القوي، فهي الاستحاضة، فتغتسل وتصلي، وحدثها دائم، كما مضى أمرها مفصلاً.

فإن عدمت ركناً من هذه الأركان، فقد عجزت عن التمييز، فهي مبتدأة غيرُ مميزة، وسيأتي حكمها إن شاء الله عز وجل، متصلاً بحكم القادرة على التمييز.

٤٧٠ - ثم مما نمهده في أمرها قبل الخوض في التفريع، أنها في أول الأمر إذا رأت


(١) " إِنه أسود محتدم بحراني " هذا اللفظ من الزيادات في حديث فاطمة بنت أبي حبيش، الذي تقدم ذكره، وقد علق الحافظ في التلخيص على ذكر الرافعي لهذه الزيادة، فقال: "تبع فيه الغزالي، وهو تبع الإِمام، وفي تاريخ العقيلي عن عائشة نحوه، قالت: دم الحيض أحمر بحراني، ودم الحيض، كغسالة اللحم" وضعّفه (أي العقيلي) ثم قال: والصفة المذكورة وقعت في كلام الشافعي في الأم (ر. التلخيص: ١/ ١٦٩ ح ٢٣٢).
(٢) في هامش (ل): مجسدة أي مشبعة، ومنه قيل للزعفران: جساد. ا. هـ. وفي القاموس، والمعجم: "ثوبٌ مجسَّد، ومجْسَد: أي مصبوغ بالجِساد: وهو الزعفران، وكل صبغ شديد الحمرة".