للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول الثالث (١) المنصوص عليه في الجديد- أنها تنتظر سنَّ اليأس، واحتج بقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: ٤] الآية. ثم قال: ليست هذه من اللائي يئسن، ولا من اللائي لم يحضن، فلا بد فيها من انتظار الحيض، فإن عاد، فذاك، وإن لم يعد، اندرجت -إذا بلغت سن اليأس- تحت قوله: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ}.

ثم استأنس بمذهب عبد الله بن مسعود فيما روي أن أبا الأحوص طلّق امرأته وهي من ذوات الأقراء، فارتفعت حيضتها، قال عبد الله بن مسعود (٢): "أبقى الله الميراث بينكما، لا تنقضي عدتها حتى تحيض أو تأيس" وطلق حَبّانُ بنُ منقذ امرأته، وكانت من ذوات الأقراء، وكانت تُرضع ولده، فارتفع حيضتها تسعةَ عشرَ شهراً، فمرض حَبّان، فخاف أن يموت، فترثه، فسأل، فقال عثمان لعلي وزيد رضي الله عنهم: ما تريان فيهما؟ فقالا: نرى أنها لو ماتت ورثها ولو مات ورثته؛ فإنها ليست من القواعد اللائي يئسن من المحيض، ولا من اللائي لم يحضن، قال علي: هي على عدة حيضها، فرجع حَبّان إلى الدار وانتزع الولد منها [ففقدت] (٣) الرضاع، وحاضت، فلما مضى بها حيضتان مات حَبان فورثته (٤).

فإن قيل: القصة في انقطاع الحيضة لعلةٍ، وإن كان كذلك، فلا خلاف. قلنا: الحجة في قولهما وتعليلهما، لا في حال المرأة، وقد دل قولُهما على أن المعتبر الحيض إذا لم تكن من اللائي لم يحضن.

ومعتمد هذا القول من جهة المعنى أن العدة مبتنيةٌ على التعبد، ولا يختلف الأمر فيها باستيقان براءة الرحم وعدمِ الاستيقان، فلولا أن عدة الفراق في الحياة يختص وجوبها بالممسوسات، لحسُن إطلاقُ القول بأن العدة مبنية على التعبد المحض، فإذا


(١) جعله (الثالث) هنا نظراً لحكاية قولي القديم قبله، وإلا فقد عده الأول آنفاً.
(٢) أثر عبد الله بن مسعود رواه البيهقي في الكبرى (٧/ ٤١٩) والمعرفة (١١/ ١٩١)، وسنده صحيح كما قاله الحافظ في تلخيصه (٣/ ٤٦٩ ح ١٨٠٦).
(٣) غير مقروءة في الأصل: والتصويب من مختصر المزني.
(٤) فتوى علي وزيد في امرأة حبان بن منقذ، رواها الشافعي في الأم (٥/ ٢١٢)، والبيهقي في الكبرى (٧/ ٤١٩) والمعرفة (١/ ١٩٠). وانظر التلخيص: (٢/ ٤٦٨ ح ١٨٠٥).