للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الاجتهاد لا مساغ له في ذلك، ومن ادعى أن المرتضع يجد من نفسه ميلاً إلى أب الرضاع، فالذي يأتي به خُرْقٌ؛ فإن الميل لا يتحقق إلى المرضعة إلا عن إلفٍ ينشأ الصبي عليه، فإن ذلك ليس من آثار الرضاع، وفي بعض التصانيف: " أن الولد المرتضع في أوان الانتساب لا يتبع الإرادة وإنما نتبين انتسابه إلى أحد الرجلين في جهة الرضاعة على اجتهاد " هذا لفظه، فلست أدري أنه أراد به ما يجده بزعمه من ميل النفس، أو أراد بالاجتهاد التمسك بسببٍ يغلّب على الظن أن الولد للأول أو للثاني، وعلى أي وجه حُمل، فلا أصل له؛ فإن الميل باطل، والاجتهاد لا أصل له في هذا الباب؛ إذ لو كان عليه مُعوّل، [لعلّق] (١) الشرع النسبَ به من غير انتساب المرتضع.

ولست في تزييف هذا مختاراً لوجه التخير، ولكن الرأي عندي تعميم التحريم، وإبطال التخيّر والانتساب بالارتياد والاجتهاد.

١٠٠٦١ - ومما يجب التنبيه له أن الأصحاب أطلقوا في الكتب أن الرجل إذا علم أن واحدةً من امرأتين أو نسوةٍ معدودات أختُه من الرضاعة، فلا يحل له أن ينكح واحدةً منهن، وإنما ينكح إذا اختلطت بنسوة يعسر حصرهن، وقد مهدنا ذلك في كتاب النكاح.

والفرق بين هذا الذي ذكروه، وبين تردد المرتضع بين الأبوين مشكل، ولهذا اخترنا تعميم التحريم عند اليأس من تبيّن النسب بقول القائف، أو انتساب الولد النسيب.

وعند ذلك نقول: من أصحابنا من جوز نكاح إحدى المرأتين إذا كانت إحداهما أختاً؛ أخذاً من القول الذي يجوّز للمرتضع مع انحسام اليقين في النسب أن يواصل أحدَ الرجلين، وهذا القائل يقول: التي تزوجها لم يتحقق فيها تحريم عنده، والأصل عدمُ الأخوَّة، وهؤلاء يقولون: إذا كان مع الرجل إناءان في أحدهما ماء نجس، وفي الآخر ماء طاهر، فيجوز استعمال أحدهما من غير اجتهاد.

وهذا المسلك مزيف، والمذهب القطع بتحريم نكاح إحدى المرأتين، مع اطّراد الإشكال.


(١) في الأصل: تعلّق.