للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فقد حصل في المسألة قولان في اندراج ديات الأطراف تحت دية النفس: أحدهما - أنها لا تندرج، وهو اختيار ابنِ سريج، والقياسُ أنها لا تندرج، وفيها أروشها، وفي النفس ديتها؛ لأنه لما عاد فقتله صبراً، فقد انقطعت سراية الجراحات بالقتل، وتبين أنها لم تسْر، ولم تصر نفساً ومسلكاً في إزهاق الروح، فصار انقطاع السراية بهذه الجهة بمثابة انقطاع السراية بالاندمال، وهذا قياس بيّن جلي.

والقول الثاني - وهو ظاهر النص أنها تندرج، [والواجب دية النفس] (١)؛ فإن القتل جرى قبل الاندمال، وإذا كانت السراية غيرَ منقطعة، والأفعال وإن انفصلت بمثابة المتصلة، ومن والى بالسيف على إنسان، [وطعنه] (٢) متحاملاً عليه، حتى مات، فيعدّ ما جرى منه قتلاً واحداً، ولا نظر إلى تعدد الضربات والجنايات، والذي يحقق ذلك أن الديات في الأطراف إنما تستقر إذا انتهت نهايتها واندملت، فإذا لم تندمل حتى عاد ذلك الجاني بعينه وقتل، فلا حكم لها أصلاً.

والأصح في القياس اختيارُ ابنِ سريج.

ولا خلاف أن من قطع أطراف إنسان، ثم قتله رجل آخر، فلا تداخل، ولا اندراج، وفي الأطراف دياتها، وعلى قاتل النفس ديتها.

١٠٣١٨ - واختلف نص الشافعي رضي الله عنه فيه إذا قطع الأطراف خطأً، وعاد، فقتل عمداً، أو قطع الأطراف عمداً، وعاد فقتل خطأ، فاختلفت صفة الجنايتين في الأطراف والنفس عمداً، فقد نُقل عن الشافعي نصان فيما ذكرناه: أحدهما - أنه قال: "إذا قطع يداً واحدة خطأً، ثم قتل عمداً، فيجب نصفُ ديةٍ مغلظةٍ في حالة إذا كان القطع عمداً، وديةٌ مخففة في النفس مضروبة على العاقلة، وإن كان التصوير في العمد والخطأ على الضد، فالجواب على العكس" هذا نص. والثاني - أنه قال: "يجب في اليد الواحدة والنفس الواحدة دية واحدة: نصفها مخفف على العاقلة، ونصفها مغلّظ في مال الجاني" فانتظم قولان منصوصان إذا اختلفت الجناية، كما ذكرناه.


(١) في الأصل: "وهو الواجب دية النفس".
(٢) في الأصل: "فقطعه".