للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والذي يعترض في النفس بعد هذا التنبيه أن الجارحة التي تصيد لو كانت على شِبع، لم تبرح في صَوْب الصيد قِيد فِتْر، وإن أشلاها صاحبها، وإنما تنتهض على الجوع، فلا يخفى أيضاً أنها إذاً تتشوّف إلى ما تطعم، والطبيعة تحركها لذلك، [وإذا هي] (١) أمسكت الصيد، فالداعية التي تحملها على الإمساك ما قدّمناه من تشوفها إلى مَطْعم تسدّ به الكَلَب وسوْرةَ الجوع، غير أنها إذا ضُربت على الأكل، تذكرت عند إمساك الصيد الضربَ، فانكفت من خيفة الضرب، لا لتسلّم الفريسة إلى صاحبها.

والكلْبُ أيسر الجوارح وأفطنها وأحراها بأن يتذكر ما سبق من ضربه، وقيل: إن الكلب الحارس يُجدع أنفه ليلاً، فلا يجنّ الليل إلا ويتذكر ما جرى عليه، فيدأب طول الليل حارساً، مستشعراً كلما سمع حساً تذكّر ما ألمّ به من ألم الجدْع.

هذا هو التحقيق، فليقطع المرء بأن الكلب [لا يمحِّض] (٢) قصده في الصيد لصاحبه، بل لو قيل: لا ينطوي على ذلك إلا فكرُ عاقلٍ، لكان سديداً؛ إذ ليس في البهائم وإن كانت على حظٌّ من التمييز إلا ما يحركه من الطباع، ثم إنها تتعلق بطرف ضعيف من المَيْز، ثم (٣) تَصوّرَ الآدميُّ فيما تطلبه الجارحة وتحاذره إمساكَ الصيد والانكفاف.

فيجب -على القطع- تأويلُ السنة والكتاب وتنزيلهما على ما ينزل عليه معظم الظواهر المتعلقة بأغراض الخلق، فالرحمة في [حق الإله] (٤) ليست [رقةً] (٥) ولا ميلاً، والغضب ليس التهاباً وتلظِّياً، ولكن من يرحم منا ينعم، ومن يغضب


(١) في الأصل: " وإذا هش ". وهو تصحيف غريب من مثل هذا الناسخ الذي تميز بالفهم والوعي بما يكتب.!!
(٢) في الأصل: لا " يخص ".
(٣) هـ ٤: " ثم يأتلف للآدمي مما تطلبه الجارحة، وتحاذره ... إلخ " والمعنى واحد. وهو أن الجارحة لا تمحض قصد الصيد لصاحبها، ولكن الإنسان يتصوّر ذلك منها، لما يراه من تصرفها بين تحريك الطباع لها، وخوفها من معلِّمها، ولكنها لا تمسك لصاحبها على الحقيقة، فوجب تأويل النصوص.
(٤) في النسختين: " حكم الإله " والمثبت تصرّفٌ من المحقق، لمناسبة المعنى والسياق.
(٥) زيادة من (هـ ٤) حيث سقطت من الأصل.