للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفارين من المسلمين أولا، حتى لا يهلكهم النصارى. ونسبت في ذلك إلى كلا الرجلين نيات مريبة (١).

وعلى أي حال فقد وقف نصر المسلمين عند هذا الحد، وتفرق الجيش الإسلامي، فارتد أمراء الأندلس كل إلى بلاده. ونلاحظ فيما يتعلق بأمراء الأندلس، وموقف كل منهم خلال المعركة، أن الرواية الإسلامية تخص المعتمد ابن عباد بتقديرها وثنائها. فقد انكشفت سائر القوات الأندلسية الأخرى في بداية المعركة: قوات بطليوس وغرناطة وألمرية، وارتدت منهزمة صوب بطليوس، ولم تعد إلى الميدان إلا حينما لاحت طوالع النصر. ولكن المعتمد ثبت أمام القشتاليين حسبما أسلفنا، وأبلى وجنده الإشبيليون خير البلاء، واثخن جراحاً ولم يغادر ميدان المعركة، حتى تداركته النجدات المرابطية (٢). وينوه أمير المسلمين بثبات المعتمد وبطولته في ذلك اليوم في خطابه بالفتح إلى المغرب إذ يقول: " ولم يثبت فيهم (أي رؤساء الأندلس) غير زعيم الرؤساء والقواد أبو القاسم المعتمد بن عباد، فأتى إلى أمير المسلمين وهو مهيض الجناح، مريض عنة وجراح، فهنأه بالفتح الجليل والصنع الجميل " (٣). وينوه بذلك أيضاً في رسالته إلى المعز بن باديس ويذكر المعتمد فيها بعطف وإجلال، ويثنى عليه الثناء الجم. بيد أنه مما كدر صفو هذا النصر، أن تلقى أمير المسلمين في نفس هذا اليوم ذاته، نبأ وفاة ولده وولي العهد الأمير أبي بكر، وكان قد استخلفه في مراكش وتركه مريضاً بسبتة، فقرر العودة فوراً إلى المغرب، ويؤكد لنا صاحب روض القرطاس أنه لولا ذلك المصاب ما عاد يوسف بمثل هذه السرعة (٤). بيد أنه قيل في ذلك إن إسراع يوسف بالعود، لم يكن راجعاً إلى وفاة ولده، بل كان يرجع بالأخص إلى استيائه وتبرمه بما شهده من أحوال أمراء الأندلس، وخلافاتهم فيما بين أنفسهم وفيما بينهم وبين شعوبهم (٥). ومن ثم فقد عاد أمير المسلمين في قواته إلى إشبيلية فاستراح بظاهرها أياماً، ثم قفل راجعاً إلى المغرب، تاريكاً من جنده ثلاثة آلاف رهن تصرف المعتمد.


(١) راجع الروض المعطار ص ٩٣.
(٢) روض القرطاس ص ٩٥، والحلل الموشية ص ٤٢، والروض المعطار ص ٩٢.
(٣) روض القرطاس ص ٩٧.
(٤) روض القرطاس ص ٩٨.
(٥) كتاب التبيان أو مذكرات الأمير عبد الله ص ١٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>