للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من شرفات الأسوار، أو الالتجاء إلى القنوات والمغائر، وسيطرت الفوضى على المدينة، وبدت طوالع النهاية منذرة مروعة.

وفي خلال ذلك كان سير بن أبي بكر، يحشد قواته وينظم الضربة الأخيرة.

ووقعت الضربة الحاسمة في يوم الأحد الثاني والعشرين من رجب سنة ٤٨٤ هـ (٧ سبتمبر سنة ١٠٩١ م) (١)، حيث هاجم المرابطون إشبيلية بشدة. واقتحموها من ناحية الوادي الكبير، وانقضوا عليها كالسيل الجارف، يمعنون فيها سفكاً وتخريباً. ونشبت بينهم وبين المدافعين عن المدينة معارك محلية عنيفة، وهجمت فرقة من المرابطين على القصر الملكي، فاستقبلهم المعتمد على باب قصره في ثلة من فرسانه وخاصته، يدافع عن نفسه وملكه حتى اللحظة الأخيرة، أشد دفاع وأروعه، ولكن هذه البسالة النادرة لم تغن شيئاً، وانتهى المرابطون بالاستيلاء على المدينة، وعلى القصور الملكية، وأسروا المعتمد وآله، وقتلوا ابنه مالكاً الملقب بفخر الدولة بين يديه، ونهبوا قصوره - على قول المؤرخ " نهباً قبيحاً " - واحتووا على سائر ذخائره وأمواله، وساد القتل والعيث والنهب في المدينة الغنية التالدة. وكانت محنة مروعة.

وأصدر سير بن أبى بكر أماناً للمعتمد " في النفس والأهل والولد " (٢)

ولكنه أرغمه على مخاطبة ولديه يزيد الراضي وأبى بكر المعتد، ينصحهما بالخضوع والتسليم، وكان الأول حسبما تقدم ممتنعاً برندة، والثاني ممتنعاً بميرتلة (أو مارتلة) في جنوبي البرتغال. وكانت رندة بالأخص ما تزال صعبة المنال، نظراً لحصانتها الفائقة، وقد يطول صمودها. وانضمت " السيدة الكبرى " أعني اعتماد الرميكية أم الأميرين إلى زوجها المعتمد، في حثهما على التسليم واستعطافهما رحمة بوالديهما. فأذعن الأميران للرجاء. فأما يزيد الراضي المدافع عن رندة، فقد قبل التسليم بعد أن قطع له جرور القائد المرابطي عهده


(١) راجع كتاب التبيان ص ١٧٠، وهي رواية معاصرة حيث يضع هذا التاريخ لسقوط إشبيلية. ويوافقه في ذلك ابن أبي زرع (روض القرطاس ص ١٠١). ولكن عبد الواحد المراكشي يضع لذلك يوم الأحد ٢١ رجب ٤٨٤ هـ (المعجب ص ٧٦). ويقول ابن الخطيب إن سقوط إشبيلية كان في يوم الأحد ٢٠ رجب سنة ٤٨٤ هـ (أعمال الأعلام ص ١٦٤). ومن المحقق أن الرواية الأولى هي الراجحة؛ وتوافقها التواريخ النصرانية، وهي تضع لذلك يوم ٧ سبتمبر الموافق للتاريخ الهجري.
(٢) روض القرطاس ص ١٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>