للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتتلخص هذه الأعذار في أن المعتمد كان بسياسته وتصرفه نحو شئون الأندلس، ومحالفته للنصارى على اخوته في الدين، وتعريضه مستقبل الإسلام للخطر، تحقيقاً لمطامعه الشخصية، يستحق أعظم اللوم، وأنه عوقب بما تقتضيه فداحة ذنبه. وقد أدرك المعتمد، عقب سقوط طليطلة، فداحة أخطائه، وأبدى صريح ندمه لما أثم (١). على أنه إذا كان حقاً أن المعتمد يحمل بسياسته الأندلسية أمام التاريخ تبعات جسام، فإنه من الحق أيضاً أنه حينما استفحل الخطب، وظهر شبح الخطر على الأندلس المسلمة، كان أول الداعين إلى الوحدة، وإلى طلب الغوث من المرابطين، وأنه لم يبخل في ذلك السبيل بتضحية حصونه التي طلبها يوسف قبل عبوره إلى الأندلس, وأنه أبلى في موقعة الزلاّقة أعظم البلاء، وعاون في نيل النصر أعظم معاونة. كذلك لا ريب أن البواعث التي دفعت يوسف إلى افتتاح الأندلس وامتلاكها، لم تكن دينية فقط، ولم تكن بعد الزلاقة وحصار أليدو، مجرد جهاد في سبيل الله، بل كانت دنيوية قبل كل شىء، ولم يك ثمة شك في أن الأندلس قد أغرت المرابطين وأميرهم بخصبها وغنائها ونعمائها. وإنه ليحق لنا بعد ذلك كله أن نتساءل، أي ضرورة بل أي ْحكمة اقتضت أن يبطش المرابطون بأمراء الأندلس، وأن يمعنوا فيهم قتلا وتعذيباً، على النحو الذي اتبعوه، بعد أن استولوا على أملاكهم وأراضيهم (٢) وأي ضرورة اقتضت أن يعامل سيد المرابطين، المعتمد بن عباد وآله بهذه القسوة المروعة، بعد أن غدوا في يده أسرى لا حول لهم ولا قوة؟ وكيف سمح أمير المسلمين القوي القادر لنفسه، أن تمتد هذه القسوة إلى الولد الضعاف والنساء والبنات؟ لقد كان المعتمد مثقلا بتبعات أعماله وأخطائه كأمير، وملك من ملوك الطوائف، أفلم يكن يكفيه فقد ملكه وسلطانه، وأسره واعتقاله، للتكفير عما أثم بسابق تصرفه؟ وماذا كان يضير الظافر لو عامله بشىء مما يقتضيه سابق مكانته من الرفق والرعاية؟


(١) راجع ما ورد في رسالة ابن عباد لألفونسو السادس (ص ٧٦ من هذا الكتاب).
(٢) قتل المرابطون ثلاثة من أبناء المعتمد بن عباد، هم المأمون والراضي ومالك، وقتلوا المتوكل بن الأفطس وولديه الفضل والعباس، وقتلوا كثيراً غيرهم من الوزراء والكبراء، في مناظر من القسوة المثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>