للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على أحوال المَلِك، وإهماله لضوابط الشريعة، ثم يجمعون حولهم الجموع، ويقصون عليهم من الأمور، " ما يحركون به عزائمهم لتغيير المنكر، ونصرة الحق، فإن أهمل الملك أمرهم عظم وتفاقم، وكان منهم خطر عظيم ".

ويعتبر هذا الكاتب مَثَل ابن تومرت، هو أقرب ما جرى في هذا المعنى، معنى الداعية المتزهد المخادع الذي يبطن انتزاع الرياسة، وأنه تذرع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومعه طائفة يسيرة، حتى اشتهر أمره، ولم يعن الملك بشأنه، ولم يدر بخلده أنه قد يغدو خطراً على ملكه، حتى كثرت جموعه واشتدت شوكته، وانتهى بالاستيلاء على البلاد وقيادة الجيوش (١).

وقد نجح المهدي في إقامة نوع من الحكومة الثيوقراطية (الدينية)، وكان الجماعة أو أصحابه العشرة الأوائل هم أعضاء وزارته، يبحث معهم جلائل الأمور، وعندئذ يخلو بهم ولا يحضر معه أحد سواهم. فإذا جرى البحث في أمور أقل أهمية، حضر الخمسون من الصحب في هيئة جمعية استشارية، وإذا جرى البحث في الشئون العادية حضر معهم السبعون. ومن جهة أخرى فقد ذكر لنا اليسع أسماء سبعة رجال، قال إنهم كانوا للمهدي رجال مشورته، وهم أبو سليمان من هرغة، وأبو الحسن، وأبو وزغيغ بن ياموهل بن ياوجان، وأبو دايور يغور ميوركن، من أهل تينملل؛ وقطران بن ماغليفة، وأبو محمد سكانة، وأبو عمران موسى بن واحمدين من أهل هنتانة (٢).

واتخذ المهدي شعاراً لجيوشه علماً أبيض كتب على أحد وجهيه، " الواحد الله. محمد رسول الله. المهدي خليفة الله "، وكتب على الوجه الثاني " وما من إله إلا الله. وما توفيقي إلا بالله. وأفوض أمري إلى الله " (٣).

وأما عن شخصه، فقد كان المهدي، حسبما تصفه الرواية، رجلا ربعة حسن التكوين، مفلج الثنايا، عظيم الهامة، أسمر مشوب بحمرة، غائر العينين، حديد البصر، أقنى، خفيف العارضين، له شامة سوداء في كفه الأيمن (٤).


(١) كتاب " آثار الأول وترتيب الدول " المنشور على هامش تاريخ الخلفاء للسيوطي (القاهرة سنة ١٣٠٥ هـ) ص ٦١ و ٦٢.
(٢) هذا ما نقله إلينا ابن القطان عن اليسع في نظم الجمان (المخطوط السالف ذكره لوحة ١٠ ب و ٣٣ ب).
(٣) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط في لوحة ٤٣ ب).
(٤) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط لوحة ١٤ ب)، وكذلك ابن خلكان ج ٢ ص ٥٢، وروض القرطاس ص ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>