للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رأينا فيما تقدم. كيف كان عبد المؤمن، إلى جانب أبى محمد البشير، أعظم قادة الموحدين. وكيف أنه عقب هزيمة البحيرة الساحقة (أوائل سنة ٥٢٤ هـ) ومقتل البشير، استطاع أن يجمع فلول الموحدين وأن ينقذها من الفناء المحقق، وأن يقودها بالرغم من مطاردة المرابطين إلى تينملل، وكيف أن المهدي، وقد كان في مرض موته، حينما أبلغ أمر الهزيمة، سأل عن عبد المؤمن، ولما علم بأنه سالم، قال لأصحابه " الحمد لله قد بقي أمركم ".

- ١ -

لم تخب فراسة المهدي في تلميذه وصاحبه الأثير، وخليفته من بعده، فقد شاءت العناية الإلهية أن يغدو عبد المؤمن مؤسس دولة الموحدين الحقيقي، وأن يقود الموحدين إلى ميادين النصر الباهر، وأن يحقق لهم سلطان الإمبراطورية الموحدية الكبرى في المغرب والأندلس.

قضى عبد المؤمن بعد توليه الخلافة زهاء عام ونصف، ينظم شئون الموحدين ويؤلف قلوبهم، ويحشد جموعهم، ويستنفرهم إلى الجهاد. ولما كملت أهباته، اعتزم أن يستأنف الجهاد لمقاتلة أعداء الدولة الموحدية - المرابطين - وافتتاح البلاد من أيديهم، وإرغامهم على الطاعة، واستقر رأى الموحدين بعد البحث والتشاور على أن تكون أولى غزاتهم لقصبة تادلة في وادي درعة (١). فخرج عبد المؤمن من تينملّل في شهر ربيع الأول (وقيل في شوال) سنة ٥٢٦ هـ (يناير سنة ١١٣٢ م) في جيش ضخم من الموحدين، قوامه ثلاثون ألف مقاتل، وسار أولا إلى قلعة تازاجورت، وكانت تدافع عنها حامية مرابطية بقيادة يدِّر بن ولجوط، فاقتحمها واستولى عليها، وسبى أهلها (٢). وفي رواية أخرى أن قائد تازاجورت المرابطي كان يدعى يحيى بن مريم، وأن عبد المؤمن قتله وقتل معه نحو عشرين ألفاً من المجسمين، وأسر زوجته ميمونة بنت ينتان بن عمر، وصحبها معه إلى الجبل، حتى افتديت فيما بعد بمن كان من أسرى الموحدين في تلمسان (٣) وسار عبد المؤمن


(١) إن تادلة التي يذكرها بهذه المناسبة صاحب الحلل الموشية (ص ١٠٧)، وروض القرطاس (ص ١٢١)، وابن خلدون (ج ٦ ص ٢٢٩) ليست هي بلدة تادلا الواقعة شمال شرقي مراكش، ولكنها هي المحلة الحصينة الواقعة شرقي وادي درعة، وذلك حسبما يستدل من سير الحملة الموحدية والمواقع التي استولت عليها، ومنها مدينة درعة.
(٢) كتاب أخبار المهدي ابن تومرت ص ٨٥.
(٣) هذه رواية ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط السابق ذكره لوحة ٧٠ أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>