للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واتخذ كنيته أبا مسلم، وقيل إن إبراهيم الإمام هو الذي سماه بهذا الإسم. ولعل أرجح رواية في شأن هذا الداعية الكبير أنه كان فتى مغموراً، ولد بمرو في أسرة رقيقة الحال، ونشأ بأصبهان، واتصل منذ فتوته ببعض نقباء الشيعة في الكوفة، فآنسوا فيه ذكاء خارقاً، وحماسة تضطرم لآل البيت وقضيتهم، وسار معهم إلى محمد بن علي بن عبد الله بمكة، فأعجب بذكائه وعزمه، واختاره داعية للشيعة في خراسان، موطنه وأصلح ميدان لنشاطه. ولما ظهر أبو مسلم وقوي أمره، وكثر أنصاره، ادعى أنه من آل البيت من ولد سليط بن عبد الله بن عباس (١). ولما توفي محمد بن علي، وخلفه في الإمامة ولده إبراهيم الملقب بالإمام بعهد منه (سنة ١٢٦ هـ) استمر أبو مسلم في مهمته، يبث الدعوة، ويحشد لها الأنصار. وكانت خراسان كما قدمنا أخصب ميدان للدعوة الشيعية لبعدها عن الحكومة المركزية، وتعاقب الفتن فيها بن المضرية واليمنية. وكان أميرها من قبل بني أمية نصر بن سيار في مأزق صعب، يستنجد عبثاً بحكومة دمشق، ويشهد تفاقم الحوادث عاجزاً، وحركة الشيعة تشتد، وتجتاح خراسان بسرعة. ويروى أن نصر بن سيار كتب إلى مروان بن محمد الخليفة يومئذ، هذا الشعر الفياض بالنبوءة والنذير يستنجد به، ويستحثه للدفاع عن عرشه وتراث أسرته:

أرى تحت الرماد وميض نار ... ويوشك أن يكون لها ضرام

فان النار بالعودين تذكى ... وإن الحرب أولها الكلام

فإن لم يطفها عقلاء قوم ... يكون وقودها جثث وهام

فقلت من التعجب ليت شعري ... أأيقاظ أمية أم نيام

فان كانوا لحينهم نياماً ... فقل قوموا فقد حان القيام

فقري عن رحالك ثم قولي ... على الإسلام والعرب السلام (٢)

وكان أبو مسلم رجل الموقف يدير الخطط بقوة وبراعة، فلم يمض بعيد حتى ألفى الفرصة سانحة للعمل الحاسم، فاعتزم أمره ووثب في صحبه على نصر بن سيار


(١) راجع في أصل أبي مسلم وسيرته، ابن الأثير ج ٥ ص ٩٥ - ٩٧، وابن خلكان ج ١ ص ٣٥٢ - ٣٥٤، وابن خلدون ج ٣ ص ١٠٠ و١١٧ - ١٢٠.
(٢) تروى هذه الأبيات بصورة أخرى. راجع مروج الذهب للمسعودي (بولاق) ج ٢ ص ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>