للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معهم على إنفاذه؛ وبدأ البيعة الشيخ الأجل أبو حفص، وتتابع من بعده الأشياخ والطلبة، ومن حضر من قبائل الموحدين، قبيلا بعد قبيل (١)، وكتب بولاية العهد إلى سائر البلاد.

وإنه لما يلفت النظر، أن الخليفة عبد المؤمن يؤكد في رسالته غير مرة، أنه لم يفكر ولم يكن له قصد سابق في هذا التعيين لولده، ثم هو يعود فيؤكد في رسالة ثانية وجهها إلى أهل سبتة، وإلى الطلبة والأشياخ، أنه لم يكن عنده في ذلك " قصد متقدم، ولا عهد متوهم، لكنه أمر الله أراده فأتمه، واختاره لعباده فشمله بآمالهم وعممه " (٢). نقول إن في هذا التنصل من جانب الخليفة الموحدي، ما يدلي بأنه كان يشعر بخطورة هذه الخطوة التي عمد إليها في اختيار ولده لولاية العهد، ويخشى أن يبدو في اتخاذها ملكاً دنيوياً، يعمل لتخليد السلطان في عقبه، وليخلق منهم أسرة ملوكية. وقد رأينا فيما تقدم كيف أنه حينما توفي المهدي ابن تومرت في رمضان سنة ٥٢٤ هـ (١١٣٠ م) استطاع عبد المؤمن دون غيره من أشياخ الموحدين، أن يفوز بالخلافة، وأن يجتني تراث المهدي الديني والسياسي، وأن يتم بعد جهود طويلة شاقة، مهمته الأساسية في القضاء على الدولة المرابطية، وفي توطيد سلطان الدولة الموحدية، ولم يكن ثمة شك في أن تحقيق هذه المهمة الكبرى، يرجع في معظم نواحيه إلى عبقرية عبد المؤمن، ومقدرته العسكرية والسياسية، وإذن فقد كان من الطبيعي أن يتطلع عبد المؤمن إلى الاحتفاظ بثمار جهاده، وإلى أن يورثها لبنيه وعقبه.

بيد أن هناك رواية تقول لنا إن عبد المؤمن لم يحقق ولاية العهد لولده، نتيجة للشورى ونزولا على رغبة الأشياخ والقبائل، حسبما يؤكد لنا في رسائله، ولكن تحقيقها كان بالعكس نتيجة لترتيب سابق، دبره عبد المؤمن بالتفاهم مع بعض أنصاره. وذلك أن عبد المؤمن حينما شعر بتوطد مركزه، وكثر أولاده من حوله، قرر أن يستبقي الملك في عقبه، واستدعى أمراء العرب من بني هلال وزغبة وعدى وغيرهم، ووصلهم وأحسن إليهم، ودفع إليهم من يقول لهم، أن يطلبوا إلى عبد المؤمن أن يختار لهم ولي عهد من بنيه، يرجع الناس إليه من بعده، ففعلوا ما طلب إليهم، فلم يجبهم عبد المؤمن في بادىء الأمر، إكراماً لأبى حفص


(١) مجموعة الرسائل الموحدية السالفة الذكر - الرسالة الثالثة عشرة، ص ٥٦ - ٦٠.
(٢) الرسائل الموحدية - الرسالة الرابعة عشرة، ص ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>