للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكونوا إخواناً فضلاء، لعباد الله، وأن يعاملوا الناس بالحسنى، وأن يغدقوا عليهم المبرات، وأن هذا هو واجبهم، وأن هذه نصيحته، فليقبلوها.

وأنه كان مما دعاه إلى تنبيههم وتذكيرهم بما تقدم، ما وجده بحضرة مراكش من تلك الأنواع التي أحدثها أهل الابتداع مثل القبالة وما يجري مجراها، وأنه لم يكن يدور بخلده أن يسلك أحد مثل هذا المسلك، وأنه أنكر ما وجده منه، وقام بإزالة ما يحظره الشرع (١).

وقد لبث عبد المؤمن بالرغم من غلبة الحرب والجهاد على حياته، محتفظاً بسمته وخلاله العلمية. كان عبد المؤمن فقيهاً بارعاً حافظاً للسنة، وعالماً متمكناً من علوم الدين، ولاسيما علم الأصول الذي تلقاه عن المهدي ابن تومرت، وكان يقوم بإملاء علوم المهدي وقراءة العقائد، وكتاب الموطأ، وكان محباً للعلماء مؤثراً لهم، مقبلا على مجالستهم، محسناً إليهم، يستدعيهم من سائر البلاد ليسكنوا بالحضرة إلى جواره، ولينتظموا في مجلسه، ويجري عليهم الأرزاق السخية، ويعظم من شأنهم ومكانتهم. وكان في الوقت نفسه يعني أشد العناية بأمر الطلبة والحفاظ، ويقسمهم إلى طائفتين، طلبة الموحدين، وطلبة الحضر، والطائفة الأولى هي طلبة المصامدة، بعد أن سمى المهدي المصامدة بالموحدين، لخوضهم في علم الأصول، الذي لم يكن أحد من أهل هذه الأنحاء يخوض فيه (٢). واستقدم عبد المؤمن في نفس الوقت صغار الصبيان النجباء من مختلف قواعد المغرب، والأندلس، من إشبيلية وقرطبة وفاس وتلمسان وغيرها - إلى حضرته، وكان منهم من إشبيلية وحدها خمسون صبياً، حضروا إلى مراكش مع أستاذيهم أبى الحسن وأبى بكر الحصار، وعنى الخليفة بأمر هؤلاء التلاميذ الصغار أتم عناية، وأنزلهم أكرم منزل، وأمر بأن يحفظوا القرآن، وكتب التوحيد وموطأ المهدي وصحيح مسلم وغيرها (٣). وعنى عبد المؤمن بأمر الحفاظ أشد عناية، وأمر بأن يحفظوا كتابي الموطأ، وأعز ما يطلب، وغيرهما من آثار المهدي، وكان يستدعيهم في كل يوم جمعة إلى داخل القصر، وهم نحو ثلاثة آلاف حافظ،


(١) أورد لنا ابن القطان نص هذه الرسالة كاملا في " نظم الجمان " وهي تقع في عدة صفحات (المخطوط لوحة ٥٦ ب إلى ٦٥ أ). وسوف ننشرها في باب الوثائق.
(٢) المراكشي في المعجب ص ١١٢، وروض القرطاس ص ١٣٣.
(٣) ابن القطان في نظم الجمان (المخطوط لوحة ٥٣ أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>