للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما رأى اختلال أمر ابن مردنيش وضغط الموحدين على قواعده، دعا للموحدين وانضم إليه جيرانه، فندب ابن مردنيش لقتاله، أخاه أبا الحجاج يوسف بن سعد نائبه في بلنسية، وبعث أبو الحجاج قوة من الفرسان قامت بمنازلة الجزيرة، ومحاصرتها والتضييق عليها، في منتصف شوال سنة ٥٦٦ هـ، واستمر الحصار زهاء شهرين، وابن سفيان يقاوم ما استطاع، وابن سعد يوالي إرسال الجند لتشديد الحصار، ووصلت رسل الجزيرة إلى السيد أبي حفص بمحلته بمرسية في طلب الإنجاد، فوجه معهم قائدهم السابق أبا أيوب بن هلال الشرقي والياً عليهم، وكان قد دخل في دعوتهم للتوحيد واستطاع أبو أيوب أن يقتحم الجزيرة، وأن يقوم بضبطها وحمايتها أشهراً، حتى مرض ابن مردنيش ولحق بمرسية عليلا، وتنفس مخنق الجزيرة (١).

وكان ابن مردنيش أثناء ذلك، والموحدون قبالة مرسية، يخرج بقواته من آن إلى آخر، ويشتبك مع المحاصرين في معارك طاحنة، وكان أخوه الرئيس أبو الحجاج يوسف بن سعد، يتولى الدفاع عن بلنسية وأحوازها. وقد اختُلف في موقف يوسف من أخيه في هذا المأزق العصيب، ففي رواية أنه خرج على أخيه، وفر عنه إلى الموحدين (٢)، ودخل في دعوتهم قبيل وفاة أخيه بنحو عام. وفي رواية أخرى، أنه لما رأى تجهم الحوادث دعا في بلنسية لبني العباس، وكاتب الخليفة المستنجد بالله، فكتب له بالعهد والولاية، ثم بايع للموحدين (سنة ٥٦٦ هـ) (٣). بيد أنه يبدو من جهة أخرى أن هذه الرواية غير صحيحة، وأن أبا الحجاج يوسف، استمر يعمل إلى جانب أخيه بإخلاص، وأنه اختص بالدفاع عن قطاع بلنسية، بينما تفرغ أخوه محمد (ابن مردنيش) لمدافعة الموحدين في مرسية. والواقع أن هذه الفترة الأخيرة من حياة ابن مردنيش يكتنفها شىء من الغموض، وفي بعض الروايات القشتالية، أن ألفونسو الثاني ملك أراجون انتهز فرصة ضغط الموحدين على ابن مردنيش، وغزا أراضي بلنسية، المتاخمة لحدود قطلونية، واستولى منها على عدة مواقع وحصون، وأنه أرسل حملة برية وبحرية لغزو بلنسية ذاتها، فتولى الرئيس أبو الحجاج مدافعة


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٣٧.
(٢) أعمال الأعلام ص ٢٧١.
(٣) ابن خلدون ج ٤ ص ١٦٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>