للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم تكد تنتهي هذه الفتنة حتى وردت على المنصور في سنة ٥٩٠ هـ، أنباء مقلقة عن إفريقية، خلاصتها أن بني غانية قد استأنفوا حركاتهم بنشاط مضاعف، وأن حلفاءهم من العرب والغز، يعيثون فساداً في أنحاء إفريقية ولاسيما بلاد الجريد. ونحن نعرف أن على بن إسحاق بن غانية الميورقي، بطل هذه الحركة التي كادت تقضي على سلطان الموحدين في إفريقية، كان على أثر هزيمته الساحقة في معركة الحمّة (سنة ٥٨٤ هـ) قد فر جريحاً إلى أعماق الصحراء.

وهنا تختلف الرواية في مصيره، فيقول لنا صاحب المعجب إنه توفي بعد قليل متأثراً بجراحه التي أصابته في معركة الحمة (١). ويقول ابن خلدون إنه توفي في بعض حروبه مع أهل نفزاوة من سهم أصابه في بعض المعارك، وذلك في نفس العام (٥٨٤ هـ) فدفن هنالك، ثم حمل رفاته إلى ميورقة (٢). ويقول التجّاني في رحلته إن على بن غانية، حينما طارده المنصور بعد موقعة الحمّة، توغل في صحراء توزر، فرجع عنه المنصور، ثم مات على بعد ذلك على توزر من سهم أصابه في ترقوته فقضى عليه (٣).

ولما توفي علي بن غانية، قام بالأمر من بعده أخوه يحيى، وهو يضطرم بمثل مُثُله، ويرمي إلى تحقيق مثل غاياته، أعني قيادة الثورة ضد الموحدين، والقضاء على سلطانهم في إفريقية، معتمداً في ذلك، مثل أخيه على محالفة سائر العناصر الخصيمة من العرب والغز وغيرهم. ومن ثم فإنه جدد التحالف الذي كان بين أخيه وبين قراقوش أو قراقش زعيم الغز. ولكن هذا التحالف لم يطل أمده. ذلك أن قراقش ما لبث أن جنح إلى طاعة الموحدين، فسار إلى تونس واجتمع بواليها السيد أبي زيد، فتلقاه بمنتهى الترحاب والتكريم، وأقام بها وقتاً في كنفه وتحت رعايته، وكان ذلك في سنة ٥٨٦ هـ (٤). وهنا يحق لنا أن نتساءل هل كانت ثمة علاقة بين تصرف قراقوش وبين سفارة ابن منقذ التي أوفدها صلاح الدين في نفس هذا العام إلى الخليفة الموحدي؟ لقد كان قراقوش مملوكاً للملك المظفر تقي الدين بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي، ابن أخي السلطان


(١) المعجب ص ١٥٤.
(٢) ابن خلدون في كتاب العبر ج ٦ ص ١٩٣.
(٣) رحلة التجاني ص ١٦٢.
(٤) رحلة التجاني ص ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>