للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحفيده عبد الرحمن الأوسط (ابن الحكم)، ثم عبد الرحمن الناصر.

وكانت الدعوة العباسية قد انتهت إلى الأندلس حين مقدم عبد الرحمن، وذاعت في منابرها، ودعى في الخطبة لبني العباس في كثير من النواحي، ثم دعى لهم في قرطبة ذاتها، ودعى عبد الرحمن الداخل نفسه لأبى جعفر المنصور مدى أشهر، وكان ذلك رغم غرابته وتناقضه، عملا من أعمال السياسة. ولكن جماعة من بني أمية الذين وفدوا على الأندلس، وعلى رأسهم عبد الملك المرواني، اعترضوا على هذا التصرف، ونوهوا بما أثم به بنو العباس في حق بني أمية، وما زالوا بعبد الرحمن حتى قرر قطع ذكر بني العباس من الخطبة (١٣٩هـ)، فقطعت من سائر منابر الأندلس (١). ولكن عبد الرحمن لم يحاول أن يتخذ سمة الخلافة قط، رغم كونه سليل أقيالها. ويرجع ذلك إلى اعتبارات دينية وسياسية، يجملها ابن خلدون في قوله، إن بني أمية بالأندلس " تلقبوا كسلفهم مع ما علموه من أنفسهم من القصور عن ذلك، بالقصور عن ملك الحجاز أصل العرب والملة، والبعد عن دار الخلافة التي هي مركز العصبية، وأنهم إنما منعوا بإمارة القاصية أنفسهم عن مهالك بني العباس " (٢). ويقول لنا في موضع آخر إن عبد الرحمن لم يتخذ سمة الخلافة تأدبا منه في حق الخلافة بمقر الإسلام ومنتدى العرب (٣). ويقول المسعودي إن الخلافة لم يكن يستحقها عند بني أمية إلا من كان مالكا للحرمين، ولذلك سموا بالخلائف، حتى بعد أن تسموا بالخلافة ولم يخاطبوا بالخلفاء (٤). وعلى أي حال فإن بواعث السياسة العملية، هي التي حملت عبد الرحمن على سلوك هذا المسلك، والحرص على عدم التورط في رسوم لم يحن الوقت لاتخاذها، والدخول بذلك مع الخلافة العباسية القوية في منافسة لا تؤمن عواقبها.

وأما عن نظام الحكومة، فقد اتبع عبد الرحمن الداخل سنة أسلافه بالمشرق في تبسيط الرسوم والنظم، وأنشأ منصب الحجابة، ولكنه لم ينشىء مناصب الوزارة، بل استعاض عنها بأعوان وأشياخ يعاونونه في القيام بمهام الحكم، وليست لهم سمة الوزارة، وإنما هم أقرب إلى الخاصة وأهل الشورى. واختار أعوانه في


(١) نفح الطيب ج ٢ ص ٧٨، وابن الأبار في الحلة السيراء (ليدن) ص ٣٣.
(٢) المقدمة ص ١٩٠.
(٣) ابن خلدون ج ٤ ص ١٢٢.
(٤) المسعودي في مروج الذهب (بولاق) ج ١ ص ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>