للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صوب قفصة. فسار الميورقي في قواته إلى جبل دمّر، وتحصن به. وسار الناصر إلى قفصة، فأقام بها أياماً، ثم توجه إلى قابس وندب لها عاملا من قبله. وكان يحيى الميورقي قد قرر أن يركز مقاومته الأخيرة في المهدية، فضاعف تحصيناتها، وشحنها بطائفة من قواته المختارة، ووكل الدفاع عنها لابن عمه علي بن الغازى. واستعد هو للقاء القوات الموحدية بمكانه الحصين من جبل دمّر، وقرر الموحدون من جهة أخرى مطاردة الميورقي في مركزى مقاومته في وقت واحد، فسار الناصر بنفسه لمحاصرة المهدية، وطوقها بقوات كثيفة من الموحدين والعرب، ونصب عليها المجانيق، وسار إليها الأسطول الموحدي ليحاصرها من ناحية البحر. وبعث الناصر في نفس الوقت جانباً من القوات الموحدية يحتوى على أربعة آلاف فارس بقيادة الشيخ أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص لمقاتلة الميورقي في جبل دمّر، فلما أشرف الموحدون على محلته، وشهد ضخامة عددهم، أراد الفرار بقواته في البداية، ولكن ضباطه شجعوه على الثبات وخوض المعركة، فنشبت بين الفريقين فوق جبل صغير يعرف برأس تاجْرَا، على مقربة من وادي مجسر، جنوب شرقي قابس (١) معركة دموية عنيفة، استمرت نحو ثلاث ساعات ودارت فيها الدائرة على الميورقي وأصحابه، فقتل وأسر معظمهم، وكان بين القتلى أخوه جبارة، وكاتبه علي بن اللمطى، وعامله الفتح بن محمد؛ وفر يحيى مع جماعة قليلة من صحبه، وكان قد ترك ولده وأهله في موضع بعيد عن مكان المعركة فصحبهم في فراره، وأنقذوا بذلك من الأسر، واستطاع الشيخ أبو محمد القائد المظفر أن ينقذ السيد أبا زيد وأصحابه أحياء من أسر الميورقي، وكان الموكل بالسيد أبي زيد على وشك أن يجهز عليه، واستولى الموحدون على محلة الميورقي، ورايته العباسية السوداء، وسائر ما كان بالمحلة من الأموال والأسلاب والإبل، وكانت غنيمة وافرة تحتوي على ثمانية عشر ألفاً من أحمال المال والمتاع والآلات، وحمل ذلك كله إلى الخليفة الناصر، وهو تحت أسوار المهدية، وكان بين الأسرى الأمين الموكل بثقاف السيد أبي زيد، فشهر به فوق جمل عال، وبيده الراية السوداء؛ ووقعت هذه الهزيمة الساحقة بالميورقي بجبل تاجْرا في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول سنة ٦٠٢ هـ (١٧ أكتوبر سنة ١٢٠٥ م) (٢).


(١) تراجع خريطة إفريقية المنشورة في ص ١٦٣ ففيها بيان لمواقع هذه المعركة.
(٢) رحلة التجاني ص ٣٥٧ - ٣٥٩، وروض القرطاس ص ١٢٣ و ١٢٤، والبيان المغرب القسم الثالث ص ٢٢٠ و ٢٢١، وراجع أيضاً: A. Bel: Les Benou Ghania, p. ١٢٩

<<  <  ج: ص:  >  >>