للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمقدمه وتردد وقتاً في لقائه. ولكن الميورقي لم يلبث أن فاجأه بجموعه من المرابطين والعرب. واضطر السيد أن يلقاه في قواته القليلة، وتكاثر المرابطون والعرب على القوات الموحدية، وفتكوا بها، وصمد السيد أبو عمران ومن معه، فقتلوا جميعاً، وأسر بعض بني السيد، والكاتب أبو الحسن بن عياش، وبعض طلبة تلمسان، واستولى الميورقي على المحلة الموحدية وسائر ما فيها من العتاد والسلاح والخيل، واقتحمت مدينة تاهَرْت ونهبت وخربت حتى غدت أطلالا (٦٠٥ هـ - ١٢٠٩ م)، وانتشرت جنود الميورقي من المرابطين والعرب في أحواز تلمسان ونهبوها، وانتسفوا زروعها، فارتاع أهل المدينة، وأغلقوا أبوابها، وهم يتوقعون أسوأ مصير، وبادر السيد أبو زكريا يحيى والي فاس في قوة من الموحدين، فوصل مسرعاً إلى تلمسان، وطمأن أهلها وسكن روعهم. وأمر الناصر في نفس الوقت بتجهيز حملة كبيرة من قوات مختارة، زودت بوافر العدد والأقوات، وعين لولاية تلمسان الوزير أبا زيد بن يوجان، وقدّمه على العسكر، فسار ابن يوجان في قواته إلى تلمسان، وعلم يحيى الميورقي بهذه الاستعدادات الضخمة كلها، فغادر منطقة تاهرت في قواته، وقصد إلى الصحراء متجهاً نحو طرابلس، ومعه محمد بن مسعود شيخ الزواودة، وطوائف رياح وسليم وغيرهم (١).

ولم يمض قليل على ذلك حتى اعتزم يحيى بن غانية أن يستأنف غاراته. وكانت نفسه قد قويت بما أحرز من نصر في تاهرت، وانتعشت جموعه لما أحرزت من المال والغنائم، وكان حلفاؤه العرب من جهة أخرى يتوقون إلى استئناف العيث والنهب، وهو قوام أطماعهم، ومورد عيشهم، وقد تضخم جيش يحيى بما انضم إليه من طوائف جديدة من الغز والعرب، جاءت لتبحث عن طالعها، ولتغتنم فرص الكسب، وكان من هؤلاء رياح وزغبة وعوف ودباب ونعات وغيرهم، هذا إلى الزواودة وشيخهم محمد بن مسعود. وكان يحيى ينوى هذه المرة أن يعود إلى مهاجمة أراضي إفريقية ذاتها. ولم تكن نيات الثائر بخافية على أبي محمد بن أبي حفص والي إفريقية اليقظ الحازم. فبادر بحشد قواته، معتزماً أن يبادر الميارقة وحلفاءهم قبل أن يخترقوا إفريقية، وخرج من تونس


(١) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٢٩ و ٢٣٠، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٤٩ و ٢٧٨.
وراجع أيضاً: A. Bel: Les Benou Ghania, p. ١٤٨ & ١٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>