للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اليانشتي، فاستبد بحكمها، وتسمى بالموفق بالله، وذلك في سنة ٦٣٠ هـ (١).

وكان يحيى المعتصم قد انتهز غيبة المأمون عن الحضرة، فجمع حشوده على عجل، وانضم إليه عرب سفيان بقيادة شيخهم جرمون بن عيسى، وأبو سعيد بن وانودين شيخ هنتاتة، وسار إلى مراكش، واقتحمها عنوة، وكانت بلا دفاع، ودخل القصر، وجمع سائر ما فيه من الأموال والذخائر، وبعث بها إلى الجبل، وقتل وسبي الكثيرين ولاسيما من اليهود، وأحرق الكنيسة، وقتل من بها من القسس والنصارى. وبلغت هذه الأنباء إلى المأمون وهو على حصار سبتة، فرفع الحصار من فوره، وارتد في قواته منصرفاً صوب مراكش، وذلك في أوائل شهر ذي القعدة سنة ٦٢٩ هـ، وهو يعتزم أن ينكل بيحيى وصحبه، وأقسم لحلفائه النصارى الذين معه، وقد اضطرموا سخطاً لما حل بكنيستهم ومواطنيهم، أن يطلقهم على مراكش ثلاثة أيام ينتصفوا فيها لأنفسهم. ولما وصل المأمون إلى وادي العبيد، الفرع الشمالي لوادى أم الربيع، مرض وتوفي فجأة، وذلك في آخر شهر ذي الحجة سنة ٦٢٩ هـ، فكتمت زوجه حبابة الرومية، وهي أم ولده الأكبر وولي عهده الرشيد، وفاته، ولم يقف عليها سوى القادة وأشياخ الخُلط وبعض القرابة، ولم يقف عليها أحد من عامة الجيش. وفي اليوم التالي وهو مستهل شهر المحرم سنة ٦٣٠ هـ (١٨ أكتوبر سنة ١٢٣٢ م)، اجتمع الأشياخ والقادة واتفقوا على بيعة ولد المأمون أبي محمد عبد الواحد الرشيد بالخلافة، مبايعة سرية خاصة، وكان فتى في الرابعة عشرة من عمره. وأذيع في المحلة أن أمير المؤمنين مريض، لا يستطيع الركوب ولا الظهور، وحمل المأمون في تابوت وضع في هودج، وسارت الجيوش أمامه وهي على أهبتها للقاء يحيى المعتصم (٢)، ولما وصلت حشود المأمون إلى مقربة من مراكش، خرج إليها يحيى المعتصم في قواته من الموحدين وعرب سفيان وغيرهم، فنشبت بين الفريقين معركة هزم فيها يحيى، وقتل معظم جنده، وتفرق الباقون في مختلف الأنحاء. ولكن قوات المأمون، حينما أشرفت على مراكش، وعلى رأسها ولده الرشيد، ألفت الحاضرة وقد استعدت للدفاع. وكان واليها من قبل يحيى، أبو سعيد بن وانودين قد تخلى عن


(١) البيان المغرب ص ٢٧٦، وروض القرطاس ص ١٦٩.
(٢) البيان المغرب القسم الثالث ص ٢٨٠ - ٢٨٢، وابن خلدون ج ٦ ص ٢٥٣ و ٢٥٤، وروض القرطاس ص ١٦٩، وابن الخطيب في الإحاطة (١٩٥٦) ج ١ ص ٤٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>