للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموحدين، وما نشب بينهم من خلاف، وما وقع من قتل خلفائهم بمراكش، وما ويبشر به ذلك كله من ذهاب أمرهم، وانهيار دولتهم، مما يذكى حماسة الجموع، ويبعث إليها روح الأمل والاستبشار.

وكانت ولاية مرسية، مذ غادرها السيد أبو محمد عبد الله بن يعقوب المنصور أو العادل، على أثر مبايعته بالخلافة، قد أسندت إلى ابن عمه السيد أبي العباس ابن أبي عمران موسى بن يوسف بن عبد المؤمن. وكان من الواضح أن أولئك السادة الولاة، كانوا ينظرون إلى الموقف في خشية وتوجس، وأن الحاميات الضئيلة التي تركت لهم، كانت قد خبت قواها المعنوية، ومن ثم فإن ابن هود حينما شعر بقوة جمعه، لم يحجم عن الزحف على مرسية. فخرج إليه السيد أبو العباس بعساكر مرسية، فهزمه ابن هود واعتقله، وذلك في رجب سنة ٦٢٥ هـ (يونيه سنة ١٢٢٨ م). وعلى أثر ذلك خرج إليه السيد أبو زيد والي بلنسية في قواته، فهزمه ابن هود أيضاً، واستولى على محلته، ولكنه لم يحاول دخول بلنسية. ثم عاد إلى مرسية، ودخلها وهو يرفع راية سوداء عباسية، وذلك بتفاهم مع قاضيها أبي الحسن علي بن محمد القسطلى، وهو قتيله فيما بعد، وقبض على واليها السيد أبي العباس (١). وبويع ابن هود بمرسية غرة رمضان سنة ٦٢٥ هـ (٤ أغسطس ١٢٢٨ م) (٢) وتسمى بأمير المسلمين، ومعز الدين، ودعا للخليفة العباسي المستنصر بالله، وكتب إليه ببغداد، فبعث إليه بالخلع والمراسيم، وسماه مجاهد الدين، سيف أمير المؤمنين، عبد الله المتوكل على الله، وهكذا كانت علامة ابن هود " توكلت على الله الواحد القهار ".

وكانت فكرة ابن هود في الانضواء تحت راية الخلافة العباسية، هو أن يتشح بثوب من الشرعية في انتحال الولاية، وفي محاربة الموحدين، وهو قد أعلن أنه سوف يعمل على تحرير الأندلس من نير الموحدين، ومن عدوان النصارى معا، وسوف يعمل على إحياء الشريعة وسننها، بعدما درست في ظل الموحدين،


(١) ابن الأبار في الحلة السيراء ص ٢٤٩. ويستفاد من رواية صاحب الروض المعطار أن ابن هود لم يشتبك في معركة مع والي مرسية، السيد أبي العباس، ولكنه دخلها بحيلة رتبها القاضي المذكور، وإيهامه للوالى، أن ابن هود سوف ينضوى تحت لوائه ويخدمه برجاله، فلما دخل عليه ابن هود غدر به وقبض عليه (الروض المعطار ص ١١٩).
(٢) البيان المغرب - القسم الثالث ص ٢٧٠، وابن خلدون ج ٤ ص ١٦٩، وروض القرطاس ص ١٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>