للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٤ -

وكان محمد بن يوسف بن الأحمر، خلال ذلك، يرقب الحوادث، فلما توفي ابن هود، أدرك أن الفرصة قد سنحت للعمل على اجتناء تراثه في الأندلس الوسطى، وهي التي كان ابن الأحمر يسيطر منها على المنطقة الشمالية، وكان مقصده الأول، مدينة غرناطة قاعدة المنطقة الجنوبية. وكان ابن هود قد ولّى عليها عتبة بن يحيى المغيلى، وكان عتبة رجلا فظا ظلوما جائراً، يبغض ابن الأحمر ويأمر بسبه على المنابر، فلما اشتدت وطأته على أهل المدينة، ثار عليه جماعة من أشرافها، بزعامة ابن خالد، واقتحموا القصبة والقصر في عصبتهم، وقتلوا عتبة، وأعلنوا طاعتهم لابن الأحمر، وبعثوا إليه يستدعونه، لتولى الرياسة عليهم، فكانت فرصة مواتية لابن الأحمر. فبادر بالسير إلى غرناطة في جمع من صحبه، ونزل بخارجها في البداية مبالغة في التحوط والطمأنينة. ثم دخلها من الغد عند مغيب الشمس، في يوم من أواخر رمضان سنة ٦٣٥ هـ (أبريل سنة ١٢٣٨ م) وهو يرتدى ثيابا خشنة وحلة مرقعة، وقصد إلى مسجد القصبة، وأم الناس لصلاة المغرب. ثم غادر المسجد إلى قصر باديس، والشموع بين يديه، ونزل فيه مع خاصته. وغدت غرناطة من ذلك اليوم حاضرته، ومقر حكمه، بدلا من جيّان، التي كان يهددها النصارى باستمرار (١).

وما كاد ابن الأحمر يستقر في غرناطة، حتى اعتزم أن يسير إلى ألمرية لافتتاحها، وسحق ابن الرميمى وزير ابن هود وقاتله، فسار إليها في بعض قواته، وحاصرها من ناحية البر بشدة، ولبث على حصارها حينا، فلما رأى ابن الرميمى أنه لا أمل له في النجاة من مصيره، غادر ألمرية من جهة البحر، في مركب شحنه بأهله وأمواله، وسار إلى تونس، حيث لجأ إلى أميرها أبي زكريا الحفصى، واستقر بها تحت كنفه ورعايته (٢).

وكان استيلاء ابن الأحمر على ألمرية في أواخر سنة ٦٣٥ هـ، وكانت قد أطاعته من قبل من القواعد الجنوبية شريش ووادي آش، ثم نادت بطاعته مالقة، في العام التالي (٦٣٦ هـ)، وقدم إلى غرناطة وفد من أعيانها يقدم إليه بيعتها، وكانت من إنشاء أديبها الكبير ابن عسكر، فولاه ابن الأحمر قضاءها (٣).


(١) البيان المغرب ص ٣٣٦ و ٣٣٧، واللمحة البدرية لابن الخطيب ص ٣٥، وابن خلدون ج ٤ ص ١٧٠، والذخيرة السنية ص ٦٠.
(٢) البيان المغرب ص ٣٣٧.
(٣) البيان المغرب ص ٣٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>