للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقبائل تمزيقا لعصبتهم، وبقيت هذه المنطقة عدة أعوام قفرا خرابا.

وفي ربيع سنة ١٧٩ هـ (٧٩٥ م) سير هشام إلى جليقية حملة أخرى بقيادة عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث، أخى الحاجب، فاخترق المسلمون مفاوز جليقية حتى أستُرقة، ففر السكان النصارى إلى رؤوس الجبال، وتأهب ألفونسو ملك جليقية للقاء المسلمين، على رأس جيش من الجلالقة وحلفائهم البشكنس، ونشب القتال بين الفريقين في قاصية جليقية، في المكان المعروف بالصخرة، وانتصر الجلالقة في البداية في بعض الوقائع المحلية، وقتل جماعة من المسلمين في كمين دبر لهم، ولكن النصارى هزموا في النهاية، وعاث المسلمون في جليقية، وأصابوا كثيراً من الغنائم، ثم ارتدوا إلى الجنوب بعد أن مزقت قوى الجلالقة وسكنوا إلى حين، وساد الأمن في الولايات الشمالية (١).

وكانت هذه آخر غزوة سيرها هشام، إذ توفي عقب ذلك بقليل في الثالث من صفر سنة ١٨٠ هـ (١٨ إبريل سنة ٧٩٦ م) في نحو الأربعين من عمره، بعد أن حكم نحو ثمانية أعوام. وكان أبيض، أشهل، مشرباً بالحمرة، وبعينيه حول، وكنيته أبو الوليد ويلقب بالرضا (٢). وفي عهده ساد الأمن والاستقرار ربوع الأندلس بالرغم مما وقع خلاله من الثورات المحلية. وكان هشام إلى جانب رفقه وتواضعه، حازماً، صارماً في الحق، حريصا على توطيد النظام والعدالة، فلم يتردد في القبض على ابنه الأكبر عبد الملك وزجه إلى السجن لما ثبت لديه من ائتماره به، فبقى في سجنه أعواماً طويلة حتى توفي بعد وفاة أبيه (٣). وكان فوق شغفه بالجهاد والغزو، محباً للإصلاح والإنشاء، فعنى بإتمام مسجد قرطبة الجامع الذي بدأ بإنشائه أبوه وتوفي قبل إتمامه، وأنشأ عدة مساجد أخرى، وزين قرطبة بكثير من الأبنية والحدائق الفخمة، وجدد قنطرة قرطبة الشهيرة التي بناها السمح بن مالك على النهر الكبير، وأنفق في تجديدها أموالا عظيمة، وكان


(١) البيان المغرب ج ٢ ص ٦٦، وابن الأبار في الحلة السيراء ص ٧٢. ويقول ابن الأثير إن الذي قاد هذه الحملة هو عبد الملك بن عبد الواحد بن مغيث (ج ٦ ص ٤٨). وراجع ابن خلدون ج ٤ ص ١٢٥.
(٢) ابن الأثير ج ٦ ص ٤٦، وابن الأبار ص ٣٧، والبيان المغرب ج ٢ ص ٦٢.
(٣) ابن الأثير ج ٦ ص ٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>