للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل الشأم (١). وفي عصر هشام قوى نفوذ الفقهاء ورجال الدين، وتربعوا في أهم المناصب، وكثر تدخلهم في شئون الدولة، خلافا لما كان عليه عبد الرحمن الداخل من إقصائهم والتحرز من تدخلهم ونفوذهم، وكان لذلك أثر غير محمود ترتبت عليه فيما بعد نتائج سياسية واجتماعية خطيرة.

- ٢ -

وخلف هشاماً ولدُه الحكم بعهد منه، وبويع عقب وفاة أبيه بأيام قلائل في الثامن من صفر سنة ١٨٠ هـ (أبريل ٧٩٦ م)، وهو في السادسة والعشرين من عمره، وكان مولده بقرطبة سنة ١٥٤ هـ (٧٧١ م)، وأمه أم ولد تدعى زخرف، وكان طاغية، حازماً، شجاعاً، شديد الوطأة على خصومه والخارجين عليه، وكانت تحدوه مع ذلك نزعة إلى الإنصاف والعدالة (٢). وهو أول من أظهر فخامة الملك بالأندلس، وأسرف في تأييد هيبته، وجدد عهد أجداده بالمشرق ببذخه وروعته، واستكثر من المماليك والبطانة. وكان ميالا إلى اللهو، مولعاً بالصيد، يؤثر مجالس الندماء والشعراء، على مجالس الفقهاء والعلماء.

وآنس الفقهاء تصدع مركزهم الذي سما في عهد أبيه هشام، وكانت سياسة الحكم ترمي إلى الحد من نفوذهم، وإبعادهم عن التدخل في شئون الدولة، وكانوا بالعكس يرمون إلى انتزاع السلطة السياسية ليحكموا الأمة من وراء العرش بواسطة جمهورية دينية، فجاءت سياسة الحكم ضربة قاضية على أمانيهم، وثارث نفوسهم سخطاً على الأمير الفتى، وأخذوا يلوحون بسبه والتعريض به من فوق المنابر، ويوغرون عليه صدور العامة بالدس والوقيعة، ويسبغون على دعايتهم ثوب الوعظ والإرشاد، والحض على التمسك بأحكام الدين. وكان الحكم بإسرافه في مجالى اللهو والبذخ، يسبغ على أقوالهم قوة، وكانت دعايتهم قوية بالأخص بين البربر والمولدين (أو مسلمي الإسبان)، إذ كان هؤلاء يبغضون العرب لكبريائهم واستئثارهم بالمناصب والنفوذ، وكانوا دائماً على أهبة الخروج والعصيان كلما سنحت الفرصة. وكان لتحريض الفقهاء وسعايتهم كما سنرى آثار بعيدة المدى (٣).


(١) أخبار مجموعة ص ١٢٠؛ والاستقصاء ج ١ ص ٦١، ونفح الطيب ج ٢ ص ١٥٨؛ وراجع أيضاً Dozy: Hist.,I.p. ٢٨٦ & ٢٨٧
(٢) أخبار مجموعة ص ١٢٥.
(٣) راجع المعجب ص ١١؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٥٩، وكذلك Dozy: Hist,I.p. ٢٨٨ وألتاليرا Hiat.de Espana, Vol.I.p. ٢٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>