للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي بداية عهد الحكم، في صيف سنة ١٨٠ هـ (٧٩٦ م) سار الحاجب عبد الكريم بن عبد الواحد بن مغيث غازياً بالصائفة إلى ألبة والقلاع، (قشتالة القديمة) واستولى على قلعة قلهُرّة الواقعة على نهر إيبرو، وأثخن في بلاد البشكنس (نافار)، وعاد مثقلا بالغنائم والسبي. ولكن سرعان ما اضطر الحكم إلى ترك الجهاد والغزو، ليعني بمقاومة بوادر الخروج والثورة التي أخذت تتفتح حوله من كل صوب. وكان الثغر الأعلى (أراجون) موطن الخطر في تلك المرة، وكانت تؤازره وتذكيه عوامل خارجية في منتهي الخطورة. ذلك أن الحكم ما كاد يجلس على عرش أبيه، حتى عول عماه سليمان وعبد الله على التحرك مرة أخرى.

وكانا يقيمان في عدوة المغرب منذ أيام أخيهما هشام، يرقبان الفرص. واتصل عبد الله بابن الأغلب صاحب إفريقية وخاطبه في مشروعهما، ولكنه لم يلق على ما يظهر منه تأييداً، فاتجه الأخوان وجهة أخرى. وكانت مدائن الثغر الأعلى (١) وفي مقدمتها سرقسطة ما زالت، منذ أيام عبد الرحمن الداخل تفيض بعوامل الفتنة، ففي سنة ١٨١ هـ (٧٩٧ م) ثار بالثغر الأعلى بهلول بن مروان المعروف بأبى الحجاج ودخل سرقسطة، وثار حاكم مدينة وشقة في نفس الوقت. فعبر سليمان وعبد الله سراً إلى الأندلس، وسار عبد الله إلى الثغر الأعلى يؤلب البلاد، ويحشد الأنصار لمقاتلة الحكم، ثم عبر جبال البرنيه إلى بلاد الفرنج، وسعى إلى مقابلة شارلمان (كارل الأكبر) في مدينة إيكسلا شابيل حيث كان يعقد بلاطه يومئذ، والتمس إليه العون والمؤازرة، فأكرم ملك الفرنج وفادته، واستجاب إلى دعوته، وألفى الفرصة سانحة للتدخل في شئون الأندلس، وتحقيق مطامعه القديمة.

وسير شارلمان جيشاً مع ولده لويس أمير أكوتين، فعبر البرنيه واستولى على مدينة جيرونة (جيرندة)، ثم توغل في ولاية الثغر الأعلى، بممالأة بعض الزعماء الخوارج، وقيل إن الأخوين عبد الملك وعبد الكريم ابنى عبد الواحد


(١) قال ياقوت في معجمه الجغرافي " الثغر "، كل موضع قريب من أرض العدو يسمى ثغرا، كأنه مأخوذ عن الثغرة " وهي الفرجة في الحائط ". وكان رباط الثغر أيام فتح الأندلس يشمل أربونة وما حولها، باعتبارها أقصى ولاية في اسبانيا المسلمة، مما يلى أرض الفرنج، فلما سقطت أربونة في يد النصارى ارتد " ثغر " الأندلس إلى ما رواء جبال البرنيه؛ فأصبح " الثغر " يطلق على ولاية سرقسطة وما جاورها حتى برشلونة والبحر شرقا، وهذا هو " الثغر الأعلى "، ويشمل عدا سرقسطة لاردة، وتطيلة، ووشقة، وطرطوشة، وطركونة وغيرها؛ ويقابل "أراجون"، من ولايات اسبانيا الحديثة. وسميت طليطلة وأعمالها " بالثغر الأوسط " لمجاورتها لمملكة ليون النصرانية (جليقية).

<<  <  ج: ص:  >  >>