للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى مجموعتين: الأولى قبائل المصامدة، والثانية قبائل الموحدين. فأما المجموعة الأولى، فكانت تضم قبائل هسكورة ودُكالة وهيلانة وحاحة وغيرها، من قبائل المصامدة، وكانت هسكورة أكبر هذه القبائل عددا وأكثرها بطونا، ومن بطونها قبيلة جنفيسة (كنفيسة)، وكانت لضخامتها ووفرة حشودها، تحتل مكانة ملحوظة، بين قبائل الدولة الموحدية، بيد أن أهلها كانت تغلب عليهم البداوة، لا يخالطون الموحدين، فيما انغمسوا فيه من حياة الحضر والترف، بل يؤثرون التزام جبالهم المتشعبة من جبال الأطلس الشامخة، والممتدة في جنوب شرقي مراكش حتى مشارف السوس الأقصى. ولما غلب بنو مرين على الدولة الموحدية ومحوا آثارها، اضطهدوا هسكورة وفرضوا عليها المغارم الثقيلة، فلزموا السكينة، ولبثوا معتصمين بجبالهم، ولم يرتضوا خدمة الدولة الجديدة، ولم يدينوا بدعوتها، وكانت كلما اشتدت عليهم وطأة عسكر بني مرين ردوهم بدفع الإتاوات من آن لآخر. وكان رؤساؤهم يتمتعون بنوع من الاستقلال المحلى، ويحشدون حولهم الحشود لحماية سلطانهم، وتحصيل جباياتهم، ويستعينون أحيانا ببعض قبائل الجبل من أهل بسائط السوس من بطون هسكورة وجنفيسة، وكذلك ببعض بطون العرب مثل بني الحارث من سفيان، والشبانات من عرب المعقل. وهكذا لبثت هسكورة بعيدة عن الولاء لبني مرين، لا تدين بطاعتهم، إلا عن طريق الجزية، كما حدث أيام السلطان أبي الحسن المرينى، وأحيانا تناوئهم متى شعرت بضعف الدولة وتراخيها (١).

وكذلك استقلت بقية قبائل المصامدة غربي مراكش، مثل دكالة وهيلانة وحاحة، بأمرها ورياستها، وكانت منازلهم تمتد غربا حتى شاطىء المحيط (٢).

وأما المجموعة الثانية فكانت تضم قبائل الموحدين، ومنازلها على مقربة من مراكش، وكانت منها سبع قبائل امتازت بالسبق والإيثار على غيرها، لاعتناقها دعوة المهدي ابن تومرت، قبل أن يتوطد أمره، أو بعبارة أخرى قبل افتتاح مراكش. وهذه القبائل السبع تنتمى إلى المصامدة، وهي هرغة قبيلة الإمام المهدي، وهنتاتة، وتينملّل وهم الذين بايعوه مع هرغة في بداية أمره، وجنفيسة، وهزرجة، وجدميوة (كدميوة) ووريكة. وتلحق بها قبيلة ثامنة، هي كومية قبيلة الخليفة عبد المؤمن ابن علي كبير صحابة المهدي. وكانت هذه القبائل الثمان لسبقها في البيعة والطاعة، تتمتع بمزايا الإيثار في السلطان والنفوذ، وتولى المناصب والقيام بمهام الأمور. فلما


(١) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٦٢ و ٢٦٣.
(٢) ابن خلدون ج ٦ ص ٢٦٤

<<  <  ج: ص:  >  >>