للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالفعل، واختار أخاه المغيرة ليخلفه من بعده، ولكن المغيرة تنازل فيما بعد عن حقه في ولاية العهد. وكان الحكم أول أمير من أمراء بني أمية بالأندلس أخذ البيعة في حياته لولي عهده، وذلك خشية وقوع الخلاف بعد موته. ثم توفي الحكم في السادس والعشرين من ذي الحجة سنة ٢٠٦هـ (٢٢ مايو سنة ٨٢٢ م)، وقد بلغ الثانية والخمسين من عمره، ودفن مع آبائه في مقبرة القصر المعروفة بالروضة. وترك من الولد تسعة عشر من الذكور واثنين وثلاثين من الإناث.

وقيل إن الحكم أبدى حين مرض موته أسفه وندمه، لما أوقعه بأهل الربض من بالغ النكال والشدة، وصرح بأنه كان خيراً لو لم يفعل ما فعله (١).

ولما شعر الحكم بدنو أجله استدعى ولده عبد الرحمن، وألقى إليه وصيته، وفيها يقول: " إنى وطدت لك الدنيا، وذللت لك الأعداء، وأقمت أود الخلافة، وأمنت عليك الخلاف والمنازعة، فاجر على ما نهجت لك من الطريقة، واعلم أن أولى الأمور بك، وأوجبها عليك، حفظ أهلك، ثم عشيرتك، ثم الذين يلونهم من مواليك وشيعتك، فهم أنصارك وأهل دعوتك، ومشاركوك في حُلوِك ومرِّك، فبهم أنزل ثقتك، وإياهم واس من نعمتك، وعصابتهم استشعر دون المتوثبين إلى مراتبهم من عوام رعيتك، الذين لا يزالون ناقمين على الملوك أفعالهم، مستثقلين لأعبائهم، فاحسم عللهم ببسط العدل لكافتهم، واحسام أولى الفضل والسداد لأحكامهم وعمالاتهم، دون أن ترفع عنهم ثقل الهيبة، وإن رأيت فيمن يرتقي من صنائعك رجلا لم تنهض به سابقة، ويشف بخصلة، وتطمح نفسه وهمته، فأعنه واختبره، وقدمه واصطنعه، ولا يريبنك خمول أوله، فان أول كل شرف خارجيته، ولا تَدَعن مجازاة المحسن بإحسانه، ومعاقبة المسىء بإساءته، فإن عند التزامك لهذين، ووضعك لهما مواضعهما، يرغب فيك، ويرهب منك. وملاك أمرك كله بالمال، وحفظه، بأخذه من حله، وصرفه في حقه، فإنه روح الملك المدبر بجثمانه، فلا تجعل بينك وبينه أحداً، في الإشراف على اجتنائه وادخاره، والتثقيف لإنفاقه وعطائه. وختام وصيتي إياك بإحكامك في أحكامك، فاتق الله ما استطعت، وإلى الله أكلك، وإياه استحفظك، فقد هان على الموت إذ خلفني مثلك " (٢).


(١) ابن القوطية ص ٥٥.
(٢) نقلنا نص هذه الوصية عن مخطوط ابن حيان. وقد وردت فيه برواية الرازي ومعاوية هشام الشبينسي في نصين مختلفين حاولنا أن ننسق بينهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>