للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبلغ عددهم في عهد الحكم زهاء خمسة آلاف (١). وكان للحكم فرقة من الحرس الخاص معظمهم من فيء أربونة ورثهم عن والده هشام، وقد أبلوا في الدفاع عنه يوم الربض أحسن البلاء، فأعتقهم جميعاً، وأغدق عليهم صلاته (٢). وكان الحكم فارساً مجيداً، يعشق الفروسية والصيد، وكانت له ألفا فرس من الجياد الصافنات مرتبطة على شاطىء النهر تجاه القصر، يشرف عليها جماعة من العرفاء البارعين (٣). وكانت له شرطة قوية منظمة، وله عيون يطالعونه بأحوال الناس.

وعلى الجملة فقد كان الحكم أميراً عظيم السلطان والهيبة، يسطع بلاطه، كما تسطع خلاله، ويثير من حوله بهاء الملك وروعته، وقد شبهه بعضهم بأبى جعفر المنصور في قوة الملك، وتوطيد الدولة، وقمع الأعداء (٤).

وكان الحكم فوق ذلك خطيباً مفوهاً، وشاعراً مجيداً، نظم الشعر في مختلف المناسبات، من أحداث الحرب والسياسة، والفخر والغزل وغيرها. وقد أوردنا فيما تقدم شيئاً من نظمه في واقعة الربض، ومن قوله في الفخر:

غناء صليل البيض أشهى إلى الأذن ... من اللحن في الأوتار واللهو والردن

إذا اختلفت زرق الأسنة والقنا ... أرتك نجوماً يطلعن من الطعن

بها يهتدي الساري وينكشف الدجى ... وتستشعر الدنيا لباساً من الأمن

وإن تجد الأبطال حصناً ومعقلا ... فما لي غير السيف في الأرض من حصن

قذفت بهم في فضا الأرض فانزوت ... له الأرض واستولى على السهل والحزن

ومن قوله في الغزل:

قضب من البان ماست فوق كثبان ... ولَّيْن عني وقد أزمعن هجراني

ناشدتهن بحقي فاعتزمن على الـ ... ـعصيان لما خلا منهن عصياني

ملكنني ملكاً ذلت عزائمه ... للحب ذل أثير موثق عاني

من لي بمغتصبات الروح من بدني ... يغصبنني في الهوى عزِّي وسلطاني


(١) المسالك والممالك لابن حوقل ص ٧٥؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٥٩ و١٦٠؛ وابن الأثير ج ٦ ص ١٢٨.
(٢) مخطوط ابن حيان المشار إليه (ص ١٠٦).
(٣) أخبار مجموعة ص ١٢٩، والبيان المغرب ج ٢ ص ٨١.
(٤) ابن خلدون ج ٤ ص ١٢٧؛ وابن الأثير ج ٦ ص ١٢٨؛ ونفح الطيب ج ١ ص ١٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>