للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصرانية، بقيادة الخليفة الموحدى يعقوب المنصور، وذلك في موقعة الأرك الشهيرة (٥٩١ هـ - ١١٩٥ م) (١). ولكنها ما لبثت أن لقيت هزيمتها الحاسمة، بعد ذلك بقليل على يد اسبانيا النصرانية، في عهد الخليفة محمد الناصر ولد المنصور في موقعة العقاب المشئومة التي فنى فيها معظم الجيوش الموحدية والأندلسية (٦٠٩ هـ - ١٢١٢ م) (٢). وكانت هزيمة العقاب ضربة شديدة لسلطان الموحدين ولاسبانيا المسلمة، فعاد شبح الفناء يلوح للأندلس قوياً منذراً، وسرى هذا التوجس إلى كتاب العصر وشعرائه، وظهر واضحاً في رسائلهم وقصائدهم. ومن ذلك ما قاله أبو اسحق ابراهيم بن الدباغ الإشبيلى معلقاً على موقعة العقاب:

وقائلة أراك تطيل تفكراً ... كأنك قد وقفت لدى الحساب

فقلت لها أفكر في عقاب ... غدا سبباً لمعركة العقاب

فما في أرض أندلس مقام ... وقد دخل البلا من كل باب (٣).

وفي خلال ذلك كانت الأندلس تضطرم بأشنع ضروب الخلاف والفتن، والقواعد والثغور يتناوبها الزعماء والمتغلبون، واسبانيا النصرانية تنزل بالأندلس ضرباتها المتوالية، وتستولى تباعاً على القواعد والثغور.

والحقيقة أن الجهد المضطرم الذي بذلته اسبانيا النصرانية يومئذ، لانتزاع القواعد الأندلسية لم يكن سوى الذروة في مرحلة طال أمدها، من حركة الفتح والاسترداد النصرانية La Reconquista. وقد بدأ هذا الاسترداد من جانب اسبانيا النصرانية لأراضيها المفتوحة منذ عصر مبكر جداً، أعنى مذ قامت المملكة النصرانية الشمالية عقب الفتح الإسلامى بقليل في حمى الجبال الشمالية، واشتد ساعدها بسرعة، واستطاعت منذ منتصف القرن الثامن الميلادي أن تدفع حدودها تباعاً نحو الجنوب. وكانت أولى القواعد الإسلامية التي سقطت هي "لُك" في أقصى الشمال الغربي لشبه الجزيرة، وأسترقة في شمال نهر دويرة، وسمورة وشلمنقة وشقوبية وآبلة في الناحية الأخرى من دويرة. ولم تتأثر الأندلس المسلمة


(١) وتعرف في الاسبانية بموقعة Alarcos. وتراجع تفاصيلها في كتابى "عصر المرابطين والموحدين" القسم الثاني ص ٢٠٠ - ٢١٤.
(٢) وتعرف في الاسبانية بموقعة Las Navas de Tolosa. وتراجع تفاصيلها في الكتاب السالف الذكر القسم الثاني ص ٢٩٣ - ٣٢٢.
(٣) نفح الطيب ج ٢ ص ٥٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>