للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك واحد أو ملاك قلائل. هذا عدا الأملاك السلطانية والحصون (١). وبذلك نستطيع أن نقدر أن مدينة غرناطة، كانت تضم أيام أن كانت عاصمة للدولة الإسلامية، أكثر من نصف مليون من الأنفس. وأما خارج المدينة فيصفه ابن الخطيب في قوله:

"ويحف بسور المدينة المعصومة بدفاع الله تعالى، البساتين العريضة المستخلصة، والأدواح الملتفة، فيصير سورها خلف ذلك كأنه من دون سياج كثيفة، تلوح نجوم الشرفات البيض أثناء خضرايه، فليس تعرى جنباته من الكروم والجنات جهة". وأما المرج الشهير أو الفحص La Vega فقد كان بسيطاً رائع الخضرة يشبهونه بغوطة دمشق، وتخترقه الجداول والأنهار، ويغص بالقرى والجنات، ويهرع إليه الرواد في ليالى الربيع والصيف فيغدو مسرح الأسمار والأنس.

وكانت المدينة ذاتها نموذجاً بديعاً للعمارة الإسلامية، تغص بالصروح والأبنية الفخمة، وتتخللها الميادين والطرقات الفسيحة. وكانت مدينة الحمراء أو دار الملك أروع ما فيها، تطل على أحيائها "في سمت من القبلة، تشرف عليه منها الشرفات البيض، والأبراج السامية والمعاقل المنيعة، والقصور الرفيعة، تغشى العيون، وتبهر العقول" (٢).

وقد أشاد بذكر محاسن غرناطة وفضائلها كتاب الأندلس وشعراؤها؛ وانتهت إلينا من منظومهم ومنثورهم فيها تراث حافل، ينم بالرغم مما يحمله أحياناً من طابع المبالغة، عما كانت تثيره غرناطة في نفوسهم من عميق الإعجاب والحب. وقد أورد لنا ابن الخطيب في "الإحاطة" والمقرى في "نفح الطيب"، و "أزهار الرياض" كثيراً من هذه القصائد والرسائل، وإليك بعض نماذج منها: قال ابن الخطيب:

بلد تحف به الرياض كأنه ... وجه جميل والرياض عذاره

وكأنما واديه معصم غادة ... ومن الجسور المحكمات سواره


(١) الإحاطة في أخبار غرناطة (القاهرة ١٩٥٦) ج ١ ص ١٢٢ و ١٢٣. ويقدم لنا ابن الخطيب بياناً وافياً عن القرى الغرناطية. (راجع ص ١٣١ - ١٣٨ والهوامش حيث تبين مواقع هذه القرى وأسماؤها الاسبانية الحالية).
(٢) راجع الإحاطة في أخبار غرناطة ج ١ ص ١٢١. واللمحة البدرية في تاريخ الدولة النصرية لابن الخطيب أيضاً ص ١٣ و ١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>