للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خيانة ارتكبوها من هذا النوع، فى أواخر أيام المرابطين، حينما دعوا ألفونسو الأول ملك أراجون الملقب بالمحارب عقب استيلائه على سرقسطة، إلى أن يسير إلى غزو الأندلس، بعد ما لاح من انحلال سلطان المرابطين فيها، واستجاب ملك أراجون لتحريضهم، وسار مخترقاً الأندلس بجيوشه، والنصارى المعاهدون فى كل قاعدة ينهضون إلى معاونته بوسائلهم، وذلك فى سنة ٥١٩ هـ (١١٢٥ م)، ْحتى انتهى إلى فحص غرناطة وحاصرها حيناً، ثم غادرها إلى الجنوب، ونشب القتال بينه وبين المرابطين فهزمهم. ولبث حيناً يعيث فى تلك الأنحاء، والنصارى المعاهدون يهرعون إلى شد أزره، ويمدونه بالأقوات والمؤن. ثم عاد ثانية إلى اختراق الأندلس إلى أراجون، وقد انضم إلى جيشه آلاف من النصارى المعاهدين. ولفتت هذه الغزوة أنظار المسلمين إلى خطر بقاء أولئك المعاهدين فى الثغور والقواعد الأندلسية، فانقلبت الحكومة الإسلامية إلى مطاردتهم، وأفتى القاضى أبو الوليد ابن رشد الجد بإدانتهم فى نقض العهد والخروج على الذمة، ووجوب تغريبهم وإجلائهم عن الأندلس، وأخذ أمير المرابطين علىّ بن يوسف بهذه الفتوى، وغرّبت ألوف من النصارى المعاهدين إلى إفريقية، وفرقوا هنالك فى أماكن مختلفة، وهلك الكثير منهم بسبب الطقس وتغير وسائل التغذية، وضم السلطان كثيراً منهم إلى حرسه الخاص، وكانت هذه المحنة سبباً فى تمزيق عصبتهم وإضعاف شوكتهم (١).

وقد كان مجتمع المستعربين أو النصارى المعاهدون، حتى فى القواعد الأندلسية التى سقطت تى يد اسبانيا النصرانية، وبسط عليها النصارى حكمهم، يتأثر بمجتمع المدجنين، وبأحواله وتقاليده، حتى أنهم كانوا يتخذون اللغة العربية لغة التعامل، ولغة التخاطب أحياناً، إلى جانب لسانهم القومى. وقد قمنا بدراسة مجموعة من الوثائق العربية المحفوظة بدار المحفوظات التاريخية بمدريد، والمنقولة إليها من دير سان كلميمنتى بطليطلة، وهى مجموعة ضخمة، كلها عقود تعامل من بيع وشراء وهبة وإيجار ووصية وغيرها، ومعظمها مكتوب فى القرن الثالث عشر الميلادى، وبعضها فى القرن الثانى عشر. وهى محررة على الأغلب بين المستعربين وأحياناً بينهم وبين المدجنين، بأسلوب عربى لا بأس به، وكلها تستهل بالبسملة مقرونة أحياناً بعبارة " وبه نستعين " أو " الحمد لله وحده "، وعلى كثير منها شهود مسلمون


(١) راجع الإحاطة ج ١ ص ١١٥ و ١٢٠؛ والحلل الموشية ص ٧٠ و ٨١؛ وراجع كتابى " عصر المرابطين والموحدين فى المغرب والأندلس " القسم الأول - ص ١٠٨ - ١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>