للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" الفرنتيرة " النصرانى ضد مليكه ألفونسو الحادى عشر، وتحالف مع سلطان غرناطة وعاون بذلك فى رد النصارى عن جبل طارق، وكانوا على وشك الاستيلاء عليه. ولما نشبت الثورة ضد ولده بيدرو القاسى (دون بطره) ونزع عن عرشه، ونشبت بينه وبين خصومه موقعة مونتيل الفاصلة لسنة ١٣٦٧ م، كان إلى جانبه فرقة من الفرسان المسلمين، أمده بها حليفه الغنى بالله ملك غرناطة (١). وهكذا كان التعاون السياسى والحربى يجرى بين الفريقين من آونة إلى أخرى، حتى فى تلك العصور التى مال فيها نجم الأندلس إلى الأفول، ولم تكن تحول دون عقده عوامل القومية أو الدين؛ وكانت العلائق التجارية أيام السلم تجرى بانتظام، وتنظم بمعاهدات ودية بين الفريقين، ومن ذلك معاهدة الصداقة والتحالف التى عقدها محمد بن يوسف ملك غرناطة مع مرتين ملك أراجون لتنظيم العلائق والمبادلات الحرة، وتنظيم التحالف السياسى بين المملكتين (سنة ١٤٠٥ م) (٢).

هذا ويجب ألا ننسى، ما كان هنالك من علائق المودة والتفاهم بين جماعات الفرسان من الفريقين، وقد كانت الفروسية الإسبانية فى العصور الوسطى تقتبس كثيراً من تقاليد الفروسية الإسلامية وخلالها الرفيعة، وتنظر إليها بعين التقدير والاحترام. وكانت مباريات الفروسية تجمع بين أنبل الفرسان من الجانبين، وكثيراً ما كانت تعقد فى العاصمة الإسلامية فى جو من العطف والحماسة، ويهرع إلى شهودها ألوف من المسلمين والنصارى، وكانت هذه الاجتماعات المثالية البهجة التى تجمع بين العنصرين الخصيمين، أبعد ما يكون عن الاعتبارات القومية والدينية، وقد كانت غرناطة التى اشتهرت بفروستها النبيلة البارعة، مسرحاً لكثير من هذه المباريات الشهيرة.

تلك هى الصورة المتباينة، التى تقدمها إلينا معركة السلطان والقوة، ومعركة الحياة والموت، والحرية والاستعباد، بين الأندلس واسبانيا النصرانية. ذلك أن بواعث الدين والقومية، لم تكن دائماً كل شىء، فى هذا الصراع المضطرم الطويل الأمد. ومع ذلك فقد كانت النزعة الدينية أو الصليبية، تبدو كلما لاح شبح الخطر الداهم على كيان أحد الفريقين، أو كلما اتخذ النضال بين الفريقين صبغة حاسمة. ولما شعرت اسبانيا النصرانية أنها أضحت بعد الاستيلاء على القواعد


(١) سوف نعود إلى تفصيل هذه الحوادث فى مواضعها بعد.
(٢) Dr. Lea: History of the Inquisition ; V. I. p. ٥٢-٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>