للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ميسرة الفتى في قلعة رباح (١) الواقعة في جنوبها استعداداً لمحاصرتها، فخرج عندئذ أهل طليطلة لقتال ميسرة، فظهر عليهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، فارتدوا إلى داخل المدينة، وعادوا إلى الاعتصام بأسوارها المنيعة. وفي العام التالي (سنة ٢٢٠ هـ) سار إليهم عبد الرحمن بنفسه، فثبتت في وجهه المدينة الثائرة، فترك الجند في قلعة رباح، وسار إلى الغرب في أحواز ماردة، ليطارد سليمان بن مرتين زعيم البربر، وكان بعد أن تخلف عن زميله محمود بن عبد الجبار، يتزعم الثورة في تلك الأنحاء، فحاصره عبد الرحمن، وحدث أن قتل الثائر في سقطة مميتة عن جواده، فانفضت جموعه وخبت ثورته. وسير عبد الرحمن في العام التالي حملة أخرى إلى طليطلة بقيادة أخيه الوليد بن الحكم، فضرب حولها الحصار الصارم، واستمر على حصارها حتى جهد أهلها، وضاقوا بالحصار ذرعاً، ثم هاجمها بعد ذلك واقتحم أسوارها، وخضعت المدينة الثائرة، بعد أعوام عديدة من فتن وثورات مستمرة، كان يغذيها خلالها روح التمرد المتأصل في شعبها، ودسائس البربر والنصارى من أهلها، وتحريض الفرنج والجلالقة، وكان خضوعها في رجب سنة ٢٢٢هـ (٨٣٧ م) (٢).

واستطاع عبد الرحمن بعد إخماد الثورة في مختلف النواحي، أن يستأنف أعمال الجهاد والغزو، فعكف في الأعوام التالية على تسيير الصوائف أو حملات الغزو الصيفية متعاقبة في كل عام إلى الشمال، تارة إلى أطراف الثغر الأعلى، حيث تشتبك مع الفرنج، وتثخن في أراضيهم، وتارة إلى ألبة والقلاع، حيث تغير على أراضي البشكنس، أو أطراف مملكة ليون (جليقية)، وتولى عبد الرحمن قيادة الصائفة بنفسه إلى جليقية في سنة ٢٢٥هـ (٨٤٠ م). وفي سنة ٢٢٧هـ (٨٤٢ م) سار عبد الرحمن إلى الشمال، وكان موسى بن موسى بن قسيّ والي تُطيلة (٣) من أعمال الثغر الأعلى (أراجون)، قد خرج عن طاعته وتحالف مع غرسية (٤) أمير نافار، وأوقع الإثنان بجند الأمير في الثغر، وعاثا في أنحائه.


(١) ومقابلها بالإسبانية Calatrava
(٢) راجع ابن الأثير ج ٦ ص ١٤١ و١٥٠ و١٥٣ و١٦١، والبيان المغرب ج ٢ ص ٨٥ و٨٦ و٨٧.
(٣) وهي بالإسبانية Tudela
(٤) وهي بالإسبانية Garcia

<<  <  ج: ص:  >  >>